التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ
٢٤
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
٢٥
وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ
٢٦
-الحجر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ } مَنْ تقدّم منكم ولادةً وموتاً { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَـئْخِرِينَ } من تأخر ولادةً وموتاً أو من خرج من أصلاب الآباءِ ومن لم يخرُجْ بعدُ، أو مَنْ تقدم في الإسلام والجهاد وسبق إلى الطاعة ومن تأخر في ذلك، لا يخفى علينا شيء من أحوالكم، وهو بـيانٌ لكمال علمِه بعد الاحتجاج على كمال قدرتِه، فإن ما يدل عليها دليلٌ عليه، وفي تكرير قوله تعالى: { وَلَقَدْ عَلِمْنَا } ما لا يخفى من الدلالة على كمال التأكيدِ، وقيل: رغّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف الأول فازدحموا عليه فنزلت، وقيل: إن امرأةً حسناءَ كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم بعضُ الناس لئلا يراها وتأخر آخرون ليرَوْها فنزلت، والأول هو المناسب لما سبق وما لحق من قوله تعالى:

{ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ } أي للجزاء، وتوسيطُ ضميرِ العظمةِ للدلالة على أنه هو القادرُ على حشرهم والمتولِّي له لا غيرُ، لأنهم كانوا يستبعدون ذلك ويستنكرونه ويقولون: مَنْ يحيـي العظامَ وهي رميم، أي هو يحشرهم لا غير، وفي الالتفات والتعرض لعنوان الربوبـيةِ إشعارٌ بعلة الحكم، وفي الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام دَلالةٌ على اللطف به عليه الصلاة والسلام { إِنَّهُ حَكِيمٌ } بالغُ الحكمة متقِنٌ في أفعاله، فإنها عبارةٌ عن العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه، والإتيانِ بالأفعال على ما ينبغي { عَلِيمٌ } وسِع علمُه كل شيء، ولعل تقديمَ صفةِ الحكمة للإيذان باقتضائها للحشر والجزاء.

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ } أي هذا النوع بأن خلقناأصله وأول فرد من أفراده خلقاً بديعاً منطوياً على خلق اسئر أفراد انطواء اجمالياً كما مر تحقيقه في سورة الأنعام { مِن صَلْصَالٍ } من طين يابس غير مطبوخ يصلصل أي يصوت عند نقرة قبل اذا توهمت في صوته مدا فهو صليل وإن توهمت فيه ترجيعاً فهو صلصلة وقيل هو تضعيف صل إذاانتين { مِّنْ حَمَإٍ } من طين تغير وأسود بطول مجاورة الماء وهو صفة لصلصال أي من صلصال كائن من حما { مَّسْنُونٍ } أي مصور من سنة الوجه وهي صورته أو مصبوب من سن الماء صبه أي مفرغ على هيئة الآنسان كما يفرغ الصور من الجواهر المذابة في القوالب وقيل منتن فهو صفة لحما و على الأولين حقه أن يكون صفة لصلصال وإنما أخر عن حما نتبيها على أن ابتداء مسنونيته ليس في حال كونه صلصالاً بل في حال كونه حما كأنه سبحانه أفرغ الحمأ فصور من ذلك تمثال انسانا أجوف فيبس حتى اذا نقر صوت ثم غيره الى جوهر آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.