التفاسير

< >
عرض

فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ
٣٠
إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ
٣١
قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ
٣٢
-الحجر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } أي فخلقه فسواه فنفخ فيه الروح فسجد الملائكة { كُلُّهُمْ } بحيث لم يشذ منهم أحد { أَجْمَعُونَ } بحيث لم يتأخر في ذلك أحد منهم عن أحد ولا اختصاص لافادة هذا المعنى بالحالية بل يفيده التأكيد أيضاً فإن الاشتقاق الواضح يرشد الى أن فيه معنى الجمع والمعية بحسب الوضع والأصل في الخطاب التنزيل على أكمل أحوال الشيء ولا ريب في أن السجود معاً أكمل أصناف السجود لكن شاع استعماله تأكيداً وأقيم مقام كل في افادة معنى الاحاطة من غير نظر الى الكمال فإذا فهمت الاحاطة من لفظ آخر لم يكن بد من مراعاة الأصل صونا للكلام عن الالغاء وقيل أكد بتأكيدين مبالغة في التعميم هذا وأما ان سجودهم هذا هل ترتب على ما حكى من الأمر التعليقي كما تقتضيه هذه الآية الكريمة والتي في سورة ص أو على الأمر التنجيزي كما يستدعيه ما في غيرهمافقد خرجنا بفضل الله عز وجل عن عهدة تحقيقه في تفسير سورة البقرة.

{ إِلاَّ إِبْلِيسَ } استثناء متصل إما لأنه كان جنياً مفرداً مغموراً بألوف من الملائكة فعد منهم تغليباً واما لأن من الملائكة جنساً يتوالدون وهو منهم وقوله تعالى { أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } استئناف مبين لكيفية عدم السجود المفهوم من الاستثناء فإن مطلق عدم السجود قد يكون مع النردد به علم أنه مع الاباء والاستكبار أو منقطع فيتصل به ما بعده أي لكن ابليس أبى ان يكون معهم وفيه دلالة على كمال ركاكة رأيه حيث أدمج في معصية واحدة ثلاث معاص مخالفة الأمر والاستكبار مع تحقير آدم عليه الصلاة والسلام ومفارقة الجماعة والاباء عن الانتظام في سلك أولئك المقربين الكرام.

{ قَالَ } استئناف مبنى على سؤال من قال فماذا قال الله تعالى عند ذلك فقيل قال { يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ } اي أي سبب لك لاأي غرض لك كما قيل لقوله تعالى ما منعك { أَلاَّ تَكُونَ } في أن لا تكون { مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } لآدم مع أنهم هم ومنزلتهم في الشرف منزلتهم وما كان التوبيخ عند وقوعه لمجرد تخلفه عنهم بل لكل من المعاصي الثلاث المذكورة قال تعالى في سورة الأعراف قال ما منعك أن لا تسجد اذ أمرتك وفي سورة ص قال يا ابليس ما منعك أن تسجد ملا خلقت بيدي ولكن اقتصر عند الحكاية في كل موطن على ما ذكر فيه اجتراء بما ذكر في مواطن آخر واشعار بأن كل واحدة من تلك المعاصي الثلاث كافية في التوبيخ واظهار بطلان ما ارتكبته وقد تركت حكاية التوبيخ رأساً في سورة البقرة وسورة بني اسرائيل وسورة الكهف وسورة طه.