التفاسير

< >
عرض

قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ
٧١
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ
٧٢
فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ
٧٣
فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ
٧٤
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ
٧٥
وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ
٧٦
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ
٧٧
-الحجر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قَالَ هَـٰؤُلآء بَنَاتِى } يعني نساءَ القومِ، فإن نبـيَّ كلِّ أمةٍ بمنزلة أبـيهم أو بناتِه حقيقةً أي فتزوجوهن، وقد كانوا من قبلُ يطلبُونهن ولا يجيبهم لخبثهم وعدمِ كفاءتِهم، لا لعدم مشروعية المُناكحةِ بـين المسلمات والكفار وقد فُصّل ذلك في سورة هود. { إِن كُنتُمْ فَـٰعِلِينَ } أي قضاءَ الوطر أو ما أقول لكم.

{ لَعَمْرُكَ } قسمٌ من الله تعالى بحياة النبـي عليه الصلاة والسلام أو من الملائكة بحياة لوطٍ عليه الصلاة والسلام والتقديرُ لعَمرُك قسمي، وهي لغة في العُمُر يختص به القسم إيثاراً للخِفة لكثرة دورَانِه على الألسنة { إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ } غَوايتهم أو شدة غُلْمتهم التي أزالت عقولَهم وتميـيزَهم بـين الخطإ والصواب { يَعْمَهُونَ } يتحيّرون ويتمادَوْن فكيف يسمعون النصح؟ وقيل: الضميرُ لقريش والجملةُ اعتراض.

{ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ } أي الصيحةُ العظيمة الهائلة، وقيل: صيحةُ جبريلَ عليه الصلاة والسلام { مُشْرِقِينَ } داخلين في وقت شروق الشمس.

{ فَجَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا } عاليَ المدينة أو عاليَ قُراهم، وهو المفعولُ الأول لجعلنا وقوله تعالى: { سَافِلَهَا } مفعول ثانٍ له وهو أدخلُ في الهول والفظاعة من العكس كما مر { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ } في تضاعيف ذلك قبل تمام الانقلابِ { حِجَارَةً } كائنة { مّن سِجّيلٍ } من طين متحجّر أو طينٍ عليه كتاب، وقد فصل ذلك في سورة هود.

{ إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي فيما ذكر من القصة { لاَيَاتٍ } لعلاماتٍ يُستدل بها على حقيقة الحق { لِلْمُتَوَسّمِينَ } أي المتفكّرين المتفرّسين الذين يتثبتون في نظرهم حتى يعرِفوا حقيقة الشيء بسَمْته.

{ وَإِنَّهَا } أي المدينة أو القرى { لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } أي طريق ثابتٍ يسلُكه الناس ويرَوْن آثارها.

{ إِنَّ فِى ذَلِكَ } فيما ذكر من المدينة أو القرى أو في كونها بمرآىٰ من الناس يشاهدونها في ذهابهم وإيابهم { لآيَةً } عظيمةً { لِلْمُؤْمِنِينَ } بالله ورسولِه، فإنهم الذين يعرِفون أن ما حاق بهم (من) العذاب الذي ترك ديارَهم بلاقعَ إنما حاق بهم لسوء صنيعهم، وأما غيرُهم فيحمِلون ذلك على الاتفاق أو الأوضاع الفلَكية، وإفرادُ الآية بعد جمعها فيما سبق لما أن المشاهدَ هٰهنا بقيةُ الآثارِ لا كلُّ القصة كما فيما سلف.