التفاسير

< >
عرض

وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ
١٢٧
-النحل

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱصْبِرْ } أي على ما أصابك من جهتهم من فنون الآلامِ والأَذية وعاينتَ من إعراضهم عن الحق بالكلية { وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم الأشياء، أي وما صبرُك ملابساً ومصحوباً بشيء من الأشياء إلا بالله أي بذكره والاستغراقِ في مراقبة شؤونه والتبتّلِ إليه بمجامع الهِمّة، وفيه من تسليته عليه الصلاة والسلام وتهوينِ مشاقِّ الصبرِ عليه وتشريفِه ما لا مزيدَ عليه. أو إلا بمشيئته المبنيّةِ على حِكَمٍ بالغة مستتبِعةٍ لعواقبَ حميدةٍ، فالتسليةُ من حيث اشتمالُه على غايات جميلة، وقيل: إلا بتوفيقه ومعونتِه فهي من حيث تسهيلُه وتيسيرُه فقط { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } أي على الكافرين بوقوع اليأسِ من إيمانهم بك ومتابعتِهم لك نحو { { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } [المائدة، الآية 68] وقيل: على المؤمنين وما فُعل بهم والأولُ هو الأنسب بجزالة النظمِ الكريم { وَلاَ تَكُ فِى ضَيْقٍ } بالفتح، وقرىء بالكسر وهما لغتان كالقَوْل والقيل، أي لا تكن في ضيق صدرٍ وحرَج، ويجوز أن يكون الأولُ تخفيفَ ضيِّق، كهيْن من هيِّن، أي في أمر ضيِّقٍ { مّمَّا يَمْكُرُونَ } أي من مكرهم بك فيما يُستقبل، فالأولُ نهيٌ عن التألم بمطلوبٍ مِنْ قبلَهم فاتَ، والثاني عن التألم بمحذور من جهتهم آتٍ، والنهيُ عنهما مع أن انتفاءَهما من لوازم الصبرِ المأمورِ به لا سيما على الوجه الأولِ لزيادة التأكيدِ وإظهارِ كمالِ العنايةِ بشأن التسليةِ، وإلا فهل يخطُر ببال من توجّه إلى الله سبحانه بشراشرِ نفسِه متنزهاً عن كل ما سواه من الشواغل شيءٌ من مطلوب فيُنهىٰ عن الحزن بفواته أو محذورٍ فكيف عن الخوف من وقوعه.