التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
٩٢
وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٩٣
-النحل

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلاَ تَكُونُواْ } فيما تصنعون من النقض { كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا } أي ما غزلتْه، مصدرٌ بمعنى المفعول { مِن بَعْدِ قُوَّةٍ } متعلق بنقضت أي كالمرأة التي نقضت غزلها من بعد إبرامه وإحكامِه { أَنكَـٰثًا } طاقاتٍ نكثتْ فتلَها جمع نِكْث، وانتصابه على الحالية من غزْلَها أو على أنه مفعولٌ ثانٍ لنقضت فإنه بمعنى صيّرت، والمرادُ تقبـيحُ حالِ النقض بتشبـيه الناقض بمثل هذه الخرقاءِ المعتوهةِ. قيل: هي (رَيْطةُ بنتُ سعد بن تيم) وكانت خرقاءَ اتخذت مِغزلاً قدرَ ذراعٍ وصَنّارةً مثلَ أصبع وفلكةً عظيمةً على قدرها فكانت تغزِل هي وجواربها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فينقُضْن ما غزَلْن { تَتَّخِذُونَ أَيْمَـٰنَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ } حالٌ من الضمير في لا تكونوا أو في الجار والمجرور الواقعِ موقعَ الخبر أي مشابهين لامرأة شأنُها هذا حالَ كونِكم متَّخذين أيمانَكم مفسدةً ودخَلاً بـينكم، وأصلُ الدخَل ما يدخُل الشيء ولم يكن منه { أَن تَكُونَ أُمَّةٌ } أي بأن تكون جماعة { هِىَ أَرْبَى } أي أزيد عدداً وأوفر مالاً { مِنْ أُمَّةٍ } من جماعة أخرى أي لا تغدُروا بقوم لكثرتكم وقلتهم أو لكثرة مُنابذيهم وقوتهم كقريش، فإنهم كانوا إذا رأوا شوكةً في أعادي حلفائِهم نقضوا عهدَهم وحالفوا أعداءهم { إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ } أي بأن تكون أمةٌ أربى من أمة، أي يعاملكم بذلك معاملةَ من يختبركم لينظر أتتمسكون بحبل الوفاءِ بعهد الله وبَـيعةِ رسولِه عليه السلام أم تغترّون بكثرة قريشٍ وشوكتِهم وقلةِ المؤمنين وضعفهم بحسب ظاهر الحال { وَلَيُبَيّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } حين جازاكم بأعمالكم ثواباً وعقاباً.

{ وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ } مشيئةَ قسرٍ وإلجاءٍ { لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً } متفقةً على الإسلام { وَلَـٰكِن } لا يشاء ذلك لكونه مزاحِماً لقضية الحِكمة بل { يُضِلُّ مَن يَشَاء } إضلالَه أي يخلق فيه الضلالَ حسبما يصرِفُ اختيارَه الجزئيَّ إليه { وَيَهْدِى مَن يَشَاء } هدايته حسبما يصرِف اختيارَه إلى تحصيلها { وَلَتُسْـئَلُنَّ } جميعاً يوم القيامة { عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } في الدنيا، وهذا إشارةٌ إلى ما لُوِّح به من الكسب الذي عليه يدور أمرُ الهداية والضلال.