التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً
٢٤
وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً
٢٥
-الكهف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } استثناءٌ مفرَّغ من النهي أي لا تقولن ذلك في حال من الأحوال إلا حالَ ملابستِه بمشيئته تعالى على الوجه المعتادِ وهو أن يقال: إن شاء الله أو في وقت من الأوقات إلا وقتَ أن يشاء الله أن تقوله لا مطلقاً بل مشيئةً إذن، فإن النسيانَ أيضاً بمشيئته تعالى، ولا مساغَ لتعليقه بفاعل لعدم سِدادِ استثناءِ اقترانِ المشيئة بالفعل ومنافاةِ استثناءِ اعتراضها النهي، وقيل: الاستثناءُ جارٍ مَجرى التأبـيدِ، كأنه قيل: لا تقولنّه أبداً كقوله تعالى: { { وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء ٱللَّهُ } [الأعراف: 89] { وَٱذْكُر رَّبَّكَ } بقولك: إن شاء الله متدارِكاً له { إِذَا نَسِيتَ } إذا فرَطَ منك نسيانٌ ثم ذكرتَه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ولو بعد سنةٍ ما لم يحنَثْ، ولذلك جوّز تأخيرُ الاستثناءِ، وعامةُ الفقهاء على خلافه إذ لو صح ذلك لما تقرر إقرارٌ ولا طلاقٌ ولا عَتاقٌ ولم يُعلم صِدقٌ ولا كذِبٌ. قال القرطبـيُّ: هذا في تدارُك التَّرْك والتخلف عن الإثم، وأما الاستثناءُ مبالغةٌ في الحث عليه، أو اذكر ربَّك وعقابَه إذا تركت بعضَ ما أمرك به ليبعثك ذلك على التدارُك، أو اذكره إذا اعتراك النسيانُ ليذكِّرك المنسيَّ، وقد حُمل على أداء الصلاةِ المنْسية عند ذكرِها { وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِى رَبّى } أي يوفقني { لأقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا } أي لشيء أقربَ وأظهرَ من نبأ أصحابِ الكهفِ من الآيات والدلائل الدالةِ على نبوتي { رَشَدًا } أي إرشاداً للناس ودلالةً على ذلك، وقد فعل عز وجل ذلك حيث آتاه من البـينات ما هو أعظمُ من ذلك وأبـينُ كقصص الأنبـياءِ المتباعدِ أيامُهم والحوادثِ النازلة في الأعصار المستقبلةِ إلى قيام الساعةِ أو لأقربَ رشداً وأدنىٰ خبراً من المنسيّ.

{ وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ } أحياءً مضروباً على آذانهم { ثَلَـٰثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعًا } وهي جملةٌ مستأنَفةٌ مبـيّنةٌ لما أُجمل فيما سلف وأُشير إلى عزة منالِه، وقيل: إنه حكايةُ كلامِ أهلِ الكتابِ فإنهم اختلفوا في مدة لُبثِهم كما اختلفوا في عِدّتهم فقال بعضهم هكذا وبعضُهم ثلاثمائة.

وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: عند أهلِ الكتابِ أنهم لبِثوا ثلاثَمائةِ سنةٍ شمسيةٍ والله تعالى ذكر السنةَ القمريةَ والتفاوتَ بـينهما في كل مائة سنةٍ ثلاث سنين فيكون ثلاثَمائةٍ وتسعَ سنين، وسنينَ عطفُ بـيانٍ لثلاثمائة، وقيل: بدلٌ وقرىء على الإضافة وضعاً للجمع موضعَ المفردِ ومما يحسّنه هٰهنا أن علامةَ الجمعِ فيه جبرٌ لما حُذف في الواحد وأن الأصلَ في العدد إضافتُه إلى الجمع.