التفاسير

< >
عرض

وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً
٢٩
-الكهف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَقُلْ } لأولئك الغافلين المتبعين هواهم { ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكُمْ } أي ما أوحيَ إليَّ الحقُّ لا غيرُ كائناً من ربكم أو الحقُّ المعهودُ من جهة ربكم لا من جهتي حتى يُتصور فيه التبديلُ أو يُمكنَ الترددُ في اتباعه وقوله تعالى: { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } إما من تمام القولِ المأمورِ به والفاءُ لترتيب ما بعدها على ما قبلها بطريق التهديد لا لتفريعه عليه كما في قوله تعالى: { { هَـٰذَا عَطَاؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ص: 39] وقوله تعالى: { { ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [البقرة: 147] أي عَقيبَ تحقق أن ما أوحي إليَّ حقٌّ لا ريب فيه وأن ذلك الحقَّ من جهة ربكم فمن شاء أن يؤمنَ كسائر المؤمنين ولا يتعللَ بما لا يكاد يصلُح للتعلل ومن شاء أن يكفرَ به فليفعلْ، وفيه من التهديد وإظهارِ الاستغناءِ عن متابعتهم وعدمِ المبالاةِ بهم وبإيمانهم وجوداً وعدماً ما لا يخفى، وإما تهديدٌ من جهة الله تعالى والفاء لترتيب ما بعدها من التهديد على الأمر لا على مضمون المأمورِ به، والمعنى قل لهم ذلك، وبعد ذلك من شاء أن يؤمن به أو أن يصدِّقَك فيه فليؤمن ومن شاء أن يكفُر به أو يكذِّبَك فيه فليفعل، فقوله تعالى: { إِنَّا أَعْتَدْنَا } وعيدٌ شديدٌ وتأكيدٌ للتهديد وتعليلٌ لما يفيده من الزجر عن الكفر أو لما يُفْهم من ظاهر التخيـيرِ من عدم المبالاةِ بكفرهم وقلةِ الاهتمامِ بزجرهم عنه، فإن إعدادَ جزائِه من دواعي الإملاءِ والأمهالِ، وعلى الوجه الأول هو تعليلٌ للأمر بما ذكر من التخيـير التهديديِّ أي قل لهم ذلك إنا أعتدنا { لّلظَّـٰلِمِينَ } أي هيأنا للكافرين بالحق بعد ما جاء من الله سبحانه، والتعبـيرُ عنهم بالظالمين للتنبـيه على أن مشيئةَ الكفر واختيارَه تجاوزٌ عن الحد ووضعٌ للشيء في غير موضعه { نَارًا } عظيمةً عجيبة { أَحَاطَ بِهِمْ } أي يحيط بهم، وإيثارُ صيغةِ الماضي للدِلالة على التحقق { سُرَادِقُهَا } أي فُسطاطُها شُبّه به ما يحيط بهم من النار، وقيل: السرادِقُ الحجرةُ التي تكون حول الفُسطاطِ، وقيل: سرادِقُها دُخانُها، وقيل: حائط من نار { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ } من العطش { يُغَاثُواْ بِمَاء كَٱلْمُهْلِ } كالحديد المذاب، وقيل: كدُرْدِيِّ الزيت وهو على طريقة قوله: فاعتُبوا بالصَّيْلم { يَشْوِى ٱلْوجُوهَ } إذا قدم ليُشرَب انشوى الوجهُ لحرارته. عن النبـي عليه الصلاة والسلام: "هو كعَكَر الزيت فإذا قُرب إليه سقطت فروةُ وجهه" { بِئْسَ ٱلشَّرَابُ } ذلك { وَسَاءتْ } النار { مُرْتَفَقًا } متكأً، وأصل الارتفاقِ نصبُ المِرْفقِ تحت الخد وأنى ذلك في النار، وإنما هو بمقابلة قوله تعالى: { حَسُنَتْ مُرْتَفَقًا }.