التفاسير

< >
عرض

وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً
٩٩
وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً
١٠٠
ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً
١٠١
-الكهف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

قوله عز وجل: { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ } كلامٌ مَسوقٌ من جنابه تعالى معطوفٌ على قوله تعالى: { جَعَلَهُ دَكَّاء } ومحقِّقٌ لمضمونه أي جعلنا بعضَ الخلائق { يَوْمَئِذٍ } أي يوم إذ جاء الوعدُ بمجيء بعضِ مباديه { يَمُوجُ فِى بَعْضٍ } آخرَ منهم يضطربون اضطرابَ أمواجِ البحر ويختلط إنسُهم وجنُّهم حَيارى من شدة الهول، ولعل ذلك قبل النفخةِ الأولى، أو تركنا بعضَ يأجوجَ ومأجوجَ يموج في بعض آخرَ منهم حين يخرُجون من السد مزدحمين في البلاد. روي أنهم يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابَّه ثم يأكلون الشجرَ ومن ظفِروا به ممن لم يتحصّن منهم من الناس، ولا يقدِرون أن يأتوا مكةَ والمدينة وبـيتَ المقدسِ ثم يبعث الله عز وجل نَغَفاً في أقفائهم فيدخُل آذانَهم فيموتون موتَ نفس واحدة، فيرسل الله تعالى عليهم طيراً فتلقيهم في البحر ثم يرسل مطراً يغسل الأرض ويطهرها من نَتْنهم حتى يترُكها كالزَّلَفة ثم يوضع فيها البركة وذلك بعد نزولِ عيسى عليه الصلاة والسلام وقتْل الدجال.

{ وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ } هي النفخةُ الثانية بقضية الفاء قوله تعالى { فَجَمَعْنَـٰهُمْ } ولعل عدمَ التعرضِ لذكر النفخةِ الأولى لأنها داهيةٌ عامةٌ ليس فيها حالةٌ مختصة بالكفار، ولئلا يقعَ الفصلُ بـين ما يقع منها في النشأة الأولى من الأحوال والأهوالِ، وبـين ما يقع منها في النشأة الآخرة، أي جمعنا الخلائقَ بعدما تفرقت أوصالُهم وتمزقت أجسادُهم في صعيد واحدٍ للحساب والجزاء { جَمْعاً } أي جمعاً عجيباً لا يُكتَنُه كُنهُه.

{ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ } أي أظهرناها وأبرزناها { يَوْمَئِذٍ } أي يومَ إذْ جمعنا الخلائقَ كافة { لِلْكَـٰفِرِينَ } منهم حيث جعلناها بحيث يرَوْنها ويسمعون لها تغيظاً وزفيراً { عَرْضاً } أي عرضاً فظيعاً هائلاً لا يُقادَر قدرُه، وتخصيصُ العَرض بهم مع أنها بمرأى من أهل الجمعِ قاطبةً لأن ذلك لأجلهم خاصة.

{ ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ } وهم في الدنيا { فِى غِطَاء } كثيف وغشاوةٍ غليظة مُحاطةٍ من جميع الجوانب { عَن ذِكْرِى } عن الآيات المؤديةِ لأولي الأبصار المتدبرين فيها إلى ذكري بالتوحيد والتمجيدِ، أو كانت أعينُ بصائِرهم في غطاء عن ذكري على وجه يليق بشأني أو عن القرآن الكريم { وَكَانُواْ } مع ذلك { لاَ يَسْتَطِيعُونَ } لفَرْط تصامِّهم عن الحق وكمالِ عداوتهم للرسول عليه الصلاة والسلام { سَمْعاً } استماعاً لذكري وكلامي الحقِّ الذي لا يأتيه الباطلُ من بـين يديه ولا من خلفه، وهذا تمثيلٌ لإعراضهم عن الأدلة السمعيةِ كما أن الأولَ تصويرٌ لتعاميهم عن الآيات المشاهَدةِ بالأبصار، والموصولُ نعتٌ للكافرين أو بدلٌ منه أو بـيانٌ جيء به لذمهم بما في حيز الصلةِ وللإشعار بعلّيته لإصابة ما أصابهم من عرض جهنمَ لهم، فإن ذلك إنما هو لعدم استعمالِ مشاعرِهم فيما عَرَض لهم في الدنيا من الآيات وإعراضِهم عنها مع كونها أسباباً منجِّيةً عما ابتُلوا به في الآخرة.