التفاسير

< >
عرض

قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً
١٩
قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً
٢٠
قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً
٢١
-مريم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قَالَ إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ } يريد عليه الصلاة والسلام أني لست ممن يُتوقّع منه ما توهّمتِ من الشر، وإنما أنا رسولُ ربك الذي استعذتِ به { لأَهَبَ لَكِ غُلَـٰماً } أي لأكون سبباً في هبته بالنفخ في الدِّرْع، ويجوز أن يكون ذلك حكاية لقوله تعالى ويؤيده القراءة بالياء، والتعرضُ لعنوان الربوبـية مع الإضافة إلى ضميرها لتشريفها وتسليتِها والإشعارِ بعلة الحكم، فإن هبةَ الغلامِ لها من أحكام تربـيتها، وفي بعض المصاحفِ أمرَني أن أهبَ لك غلاماً { زَكِيّاً } طاهراً من الذنوب أو نامياً على الخير أي مترقياً من سن إلى سن على الخير والصلاح.

{ قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ } كما وصفت { وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ } أي والحال أنه لم يباشرْني بالنكاح رجلٌ، وإنما قيل بشرٌ مبالغةً في بـيان تنزُّهها من مبادىء الولادة { وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } عطف على لم يمسَسْني داخلٌ معه في حكم الحالية مفصِحٌ عن كون المِساس عبارةً عن المباشرة بالنكاح أي ولم أكن فاجرةً تبغي الرجالَ، وهي فَعولٌ بمعنى الفاعل أصلها بغُويٌ فأدغمت الواوُ بعد قلبها ياء في الياء وكسرت الغين للياء، وقيل: هي فعيل بمعنى الفاعل، وإلا لقيل: بَغُوٌّ كما يقال: فلان نَهُوٌّ عن المنكر، وإنما لم تلحَقْه التاءُ لأنها من باب النسب كطالق أو بمعنى المفعول أي يبغيها الرجالُ للفجور بها.

{ قَالَ } أي الملَكُ تقريراً لمقالته وتحقيقاً لها { كَذٰلِكَ } أي الأمرُ كما قلتُ لك، وقوله تعالى: { قَالَ رَبُّكِ } الخ، استئنافٌ مقرِّر له أي قال ربك الذي أرسلني إليك: { هُوَ } أي ما ذكرتُ لك من هبة الغلامِ من غير أن يمسَّك بشرٌ أصلاً { عَلَىَّ } خاصة { هَيّنٌ } وإن كان مستحيلاً عادة لما أني لا أحتاج إلى الأسباب والوسائطِ، وقوله تعالى: { وَلِنَجْعَلَهُ ءايَةً لّلْنَّاسِ } إما علةٌ لمعلَّلٍ محذوف أي ولنجعل وهْبَ الغلام آيةً لهم وبرهاناً يستدلون به على كمال قدرتِنا نفعل ذلك، أو معطوفٌ على علة أخرى مضمَرةٍ أي لنبـين به عِظَمَ قدرتِنا ولنجعله آية الخ، والواو على الأول اعتراضيةٌ والالتفاتُ إلى نون العظمة لإظهار كمالِ الجلالةِ { وَرَحْمَةً } عظيمةً كائنة { مِنَّا } عليهم يهتدون بهدايته ويسترشدون بإرشاده. { وَكَانَ } ذلك { أَمْراً مَّقْضِيّاً } مُحكماً قد تعلق به قضاؤنا الأزليُّ أو قُدّر وسُطّر في اللوح لا بد من جريانه عليك البتةَ، أو كان أمراً حقيقاً بأن يقضىٰ ويُفعلَ لتضمنّه حِكَماً بالغة.