التفاسير

< >
عرض

فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً
٢٢
فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً
٢٣
-مريم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَحَمَلَتْهُ } بأن نفخ جبريلُ عليه الصلاة والسلام في دِرعها فدخلت النفخةُ في جوفها، قيل: إنه عليه الصلاة والسلام رفع دِرعَها فنفخ في جيبه فحمَلت، وقيل: نفخ عن بُعد فوصل الريحُ إليها فحملت في الحال، وقيل: إن النفخةَ كانت في فيها وكانت مدةُ حملها سبعةَ أشهر، وقيل: ثمانيةً، ولم يعِشْ مولود وُضع لثمانية أشهر غيرُه، وقيل: تسعةَ أشهرٍ، وقيل: ثلاثَ ساعات، وقيل: ساعة كما حملت وضعتْه وسنُّها حينئذ ثلاثَ عشْرةَ سنةً، وقيل: عشرُ سنين وقد حاضت حيضتين { فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ } أي فاعتزلت وهو في بطنها كما في قوله: [الوافر]

تدوس بنا الجماجمَ والتّريبا

فالجارُّ والمجرور في حيز النصب على الحالية أي فانتبذت ملتبسةً به { مَكَاناً قَصِيّاً } بعيداً من أهلها وراء الجبل، وقيل: أقصى الدارِ وهو الأنسبُ لقِصرَ مدة الحمل.

{ فَأَجَاءهَا ٱلْمَخَاضُ } أي فألجأها وهو في الأصل منقول من جاء لكنه لم يستعمل في غيره كآتى في أعطي، وقرىء المِخاض بكسر الميم وكلاهما مصدرُ مخِضَت المرأةُ إذا تحرك الولدُ في بطنها للخروج { إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } لتستتر به وتعتمد عليه عند الوِلادة وهو ما بـين العِرْق والغصن، وكانت نخلةً يابسةً لا رأس لها ولا خُضرة وكان الوقت شتاءً، والتعريفُ إما للجنس أو للعهد إذ لم يكن ثمةَ غيرُها وكانت كالمتعالم عند الناس، ولعله تعالى ألهمها ذلك ليُريَها من آياتها ما يسكّن رَوْعتها ويطعمها الرُّطَبَ الذي هو خُرْسةُ النُّفَساءِ الموافقةُ لها { قَالَتْ يٰلَيْتَنِى مّتَّ } بكسر الميم من مات يمات كخِفت، وقرىء بضمها من مات يموت { قَبْلَ هَـٰذَا } أي هذا الوقتِ الذي لقِيتُ فيه ما لقِيت، وإنما قالته مع أنها كانت تعلم ما جرى بـينها وبـين جبريلَ عليه السلام من الوعد الكريم ـ استحياءً من الناس وخوفاً من لائمتهم، أو حِذاراً من وقوع الناس في المعصية بما تكلموا فيها، أو جرياً على سَنن الصالحين عند اشتدادِ الأمر عليهم ـ كما روي عن عمر رضي الله عنه أنه أخذ تِبْنةً من الأرض فقال: «يا ليتنى هذه التبنةُ ولم أكن شيئاً»، وعن بلال أنه قال: «ليت بلالاً لم تلده أمُّه» { وَكُنتُ نَسْياً } أي شيئاً تافهاً شأنُه أن يُنسى ولا يُعتدَّ به أصلاً، وقرىء بالكسر، قيل: هما لغتان في ذلك كالوتر، وقيل: هو بالكسر اسمٌ لما يُنسى كالنِّقْض اسمٌ لما يُنقض وبالفتح مصدرٌ سُمِّي به المفعولُ مبالغةً، وقرىء بهما مهموزاً من نسأتُ اللبن إذا صببتُ عليه الماء فصار مستهلَكاً فيه، وقرىء نساً كعصاً { مَّنسِيّاً } لا يخطُر ببال أحد من الناس وهو نعتٌ للمبالغة، وقرىء بكسر الميم إتباعاً له بالسين.