التفاسير

< >
عرض

وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً
٥٢
وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً
٥٣
وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً
٥٤
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً
٥٥
وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً
٥٦
-مريم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَنَـٰدَيْنَـٰهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ } الطورُ جبلٌ بـين مصرَ ومدْيَنَ، والأيمنُ صفةٌ للجانب أي ناديناه من ناحيته اليُمنى من اليمين وهي التي تلي يمينَ موسى عليه السلام، أو من جانبه الميمونِ من اليُمن ومعنى ندائِه منه أنْ تمثّل له الكلامُ من تلك الجهة { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } تقريبَ تشريفٍ، مُثّل حالُه عليه السلام بحال من قرّبه الملِكُ لمناجاته واصطفاه لمصاحبته ونجياً أي مناجياً حالٌ من أحد الضميرين في ناديناه أو قربناه، وقيل: مرتفعاً لما روي أنه عليه السلام رُفع في السموات حتى سمع صَريفَ القلم.

{ وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا } أي من أجل رحمتِنا ورأفتِنا له أو بعضِ رحمتنا { أَخَاهُ } أي معاضَدةَ أخيه ومؤازرَتَه إجابةً لدعوته بقوله: { { وَٱجْعَل لّي وَزِيراً مّنْ أَهْلِي هَـٰرُونَ أَخِي } [طه: 29-30] لا نفسَه لأنه كان أكبرَ منه عليهما السلام، وهو على الأول مفعولٌ لوهبنا وعلى الثاني بدلٌ وقوله تعالى: { هَـٰرُونَ } عطف بـيان له وقوله تعالى: { نَبِيّاً } حال منه.

{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَـٰبِ إِسْمَـٰعِيلَ } فُصّل ذكره عن ذكر أبـيه وأخيه لإبراز كمال الاعتناءِ بأمره بإيراده مستقلاً وقوله تعالى: { إِنَّهُ كَانَ صَـٰدِقَ ٱلْوَعْدِ } تعليلٌ لموجب الأمر، وإيرادُه عليه السلام بهذا الوصف لكمال شهرتِه به وناهيك أنه وعَدَ الصبرَ على الذبح بقوله: { { سَتَجِدُنِي إِن شَاء ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } [الصافات: 102] فوفّى { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } فيه دِلالةٌ على أن الرسولَ لا يجب أن يكون صاحبَ شريعةٍ، فإن أولادَ إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام كانوا على شريعته.

{ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلَوٰةِ وَٱلزَّكَـوٰةِ } اشتغالاً بالأهم وهو أن يُقْبل الرجلُ بالتكميل على نفسه مَنْ هو أقربُ الناس إليه قال تعالى: { { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] { { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ } } [طه: 132] { { قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [التحريم: 6] وقصد إلى تكميل الكل بتكميلهم لأنهم قدوةٌ يؤتسىٰ بهم، وقيل: أهلُه أمتُه فإن الأنبـياءَ عليهم السلام آباءُ الأمم { وَكَانَ عِندَ رَبّهِ مَرْضِيّاً } لاتصافه بالنعوت الجليلةِ التي من جملتها ما ذكر من خصاله الحميدة.

{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَـٰبِ إِدْرِيسَ } وهو سِبطُ شَيْثٍ وجدُّ أبـي نوحٍ فإنه نوحُ بنُ لمك بن متوشلح بنِ أُخنوخ وهو إدريسُ عليه السلام، واشتقاقُه من الدّرس يُرده منعُ صرفِه. نعم لا يبعُد أن يكون معناه في تلك اللغة قريباً من ذلك فلُقّب به لكثرة دراسته. روي أنه تعالى أنزل عليه ثلاثين صحيفةً وأنه أولُ من خط بالقلم ونظر في علم النجوم والحساب { إِنَّهُ كَانَ صِدّيقاً } ملازماً للصدق في جميع أحوالِه { نَبِيّاً } خبرٌ آخرُ لكان مخصّصٌ للأول، إذ ليس كلُّ صدّيق نبـياً.