التفاسير

< >
عرض

رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ
١٢٨
رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ
١٢٩
-البقرة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } مخلِصين لك أو مستسلمين من أَسلم إذا استسلم وانقادَ وأياً ما كان فالمطلوبُ الزيادةُ والثباتُ على ما كانا عليه من الإخلاصِ والإذعانِ وقرىء مسلِمين على صيغة الجمع بإدخال هاجَرَ معهما في الدعاء أو لأن التثنية من مراتب الجمع.

{ وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } أي واجعل بعضَ ذريتنا وإنما خصهم بالدعاء لأنهم أحقُّ بالشفقة ولأنهم إذا صلَحوا صلَح الأتباع وإنما خَصّا به بعضَهم لمّا علما أن منهم ظلمةً وأن الحكمة الإلٰهية لا تقتضي اتفاقَ الكل على الإخلاص والإقبالَ الكلي على الله عز وجل فإن ذلك مما يُخلُّ بأمر المعاش ولذلك قيل: لولا الحمقى لخَرِبَتِ الدنيا وقيل: أراد بالأمة المسلمة أمةَ محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جوّز أن يكونَ (من) مبـينة قدّمت على المبـين وفُصل بها بـين العاطف والمعطوف كما في قوله تعالى: { { وَمِنَ ٱلأرْضِ مِثْلَهُنَّ } [الطلاق، الآية 12] والأصلُ وأمةً مسلمةً لك من ذريتنا { وَأَرِنَا } من الرؤية بمعنى الإبصارِ أو بمعنى التعريفِ أي بصِّرنا أو عرِّفنا { مَنَاسِكَنَا } أي متعبداتِنا في الحج أو مذابحَنا، والنُسُك في الأصل غايةُ العبادة وشاعَ في الحج لما فيه من الكُلفة والبعد عن العادة وقرىء أرنا قياساً على فخذ في فخذ وفيه إجحاف لأن الكسرة المنقولة من الهمزة الساقطةِ دليل عليها وقرىء بالاختلاس { وَتُبْ عَلَيْنَا } استتابة لذريتهما، وحكايتُها عنهما لترغيب الكفرةِ في التوبة والإيمانِ أو توبةٌ لهما عما فرط منهما سهواً ولعلهما قالاه هضماً لأنفسهما وإرشاداً لذريتهما { إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } وهو تعليلٌ للدعاء ومزيدُ استدعاء للإجابة قيل: إذا أراد العبد أن يُستجاب له فليدع الله عز وجل بما يناسبه من أسمائه وصفاتِه { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ } أي في الأمة المسلمة { رَسُولاً مّنْهُمْ } أي من أنفسهم فإن البعث فيهم لا يستلزم البعثَ منهم ولم يُبعث من ذريتهما غيرُ النبـي صلى الله عليه وسلم فهو الذي أُجيب به دعوتُهما عليهما السلام رُوي أنه قيل له: قد استُجيب لك وهو في آخر الزمان قال عليه السلام: "أنا دعوةُ أبـي إبراهيمَ وبُشرى عيسى ورُؤيا أمي" وتخصيصُ إبراهيمَ عليه السلام بالاستجابة له أنه الأصل في الدعاء وإسماعيلُ تبعٌ له عليه السلام { يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِكَ } يقرأ ويبلغهم ما يوحىٰ إليه من البـينات { وَيُعَلّمُهُمُ } بحسب قوتِهم النظرية { ٱلْكِتَـٰبِ } أي القرآن { وَٱلْحِكْــمَةِ } وما يُكمل به نفوسَهم من أحكام الشريعة والمعارف الحقة { وَيُزَكّيهِمْ } بحسب قوتهم العملية أي يطهِّرهم عن دنس الشرك وفنون المعاصي { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ } الذي لا يُقهر ولا يغلب على ما يريد { ٱلْحَكِيمُ } الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمةُ والمصلحةُ، والجملة تعليلٌ للدعاء وإجابةِ المسؤول فإن وصفَ الحكمةِ مقتضٍ لإفاضة ما تقتضيه الحِكمةُ من الأمور التي من جملتها بعثُ الرسول، ووصفُ العزة مستدعٍ لامتناع وجود المانِع بالمرة.