التفاسير

< >
عرض

سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٢١١
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
٢١٢
-البقرة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ سَلْ بَنِى إِسْرٰءيلَ } الخطابُ للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل أحدٍ من أهل الخطابِ، والمرادُ بالسؤال تبكيتُهم وتقريعُهم بذلك، وتقريرٌ لمجيءِ البـينات { كَمْ آتَيْنَـٰهُم مّنْ آيَةٍ بَيّنَةٍ } مُعجِزَةٌ ظاهرة على أيدي الأنبـياءِ عليهم السلام وآيةٌ ناطقة بحقّية الإسلامِ المأمورِ بالدخول فيه، و(كم) خبريةٌ أو استفهاميةٌ مقرِّرةٌ ومحلها النصبُ على المفعولية أو الرفع بالابتداء على حذف العائدِ من الخبر، وآيةٍ مميِّزُها { وَمَن يُبَدّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ } التي هي آياته الباهرةِ فإنها سببٌ للهُدىٰ الذي هو أجلُّ النعم، وتبديلُها جعلُها سبباً للضلالة وازديادِ الرِّجس، أو تحريفُها وتأويلُها الزائغ { مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ } ووصلتْ إليه وتمكَّن من معرفتها، والتصريحُ بذلك مع أن التبديلَ لا يُتصوَّرُ قبل المجيءِ للإشعار بأنهم قد بدَّلوها بعد ما وقفوا على تفاصيلها كما في قوله عزَّ وجلَّ: { { ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [البقرة، الآية 75] قيل: تقديرِه فبدّلُوها ومن يبدل، وإنما حُذف للإيذان بعدم الحاجةِ إلى التصريح به لظهوره { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } تعليلٌ للجواب كأنه قيل: ومن يُبدّلْ نعمةَ الله يعاقبْه أشدَّ عقوبةٍ فإنه شديدُ العقاب، وإظهارُ الاسمِ الجليلِ لتربـية المهابةِ وإدخالِ الرَّوْعة { زُيّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } أي حسُنت في أعينهم وأُشرِبت محبتُها في قلوبهم حتى تهالكوا عليها وتهافتوا فيها معرِضين عن غيرها، والتزيـينُ من حيث الخلقُ والإيجادُ مستنِدٌ إليه سبحانه كما يُعرِبُ عنه القراءةُ على البناء للفاعل إذْ ما مِنْ شيءٍ إلا وهو خالقُه، وكلٌّ من الشيطان والقُوى الحيوانية وما في الدنيا من الأمور البهيَّة والأشياءِ الشهيةِ مُزيَّنٌ بالعَرْض { وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } عطفٌ على (زُين) وإيثارُ صيغةِ الاستقبالِ للدلالة على استمرار السُّخريةِ منهم وهم فقراء المؤمنين كبلالٍ وعمارٍ وصهيبٍ رضي الله عنهم كانوا يسترذلونهم ويستهزؤن بهم على رفضهم الدُّنيا وإقبالِهم على العُقبىٰ ومن ابتدائية فكأنهم جعلوا السخرية مبتدأة منهم. { وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } هم الذين آمنوا بعينهم وإنما ذُكروا بعنوان التقوى للإيذان بأن إعراضَهم عن الدنيا للاتقاء عنها لكونها مُخِلَّةً بتبتُّلهم إلى جناب القدسِ شاغلةً عنه { فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } لأنَّهم في أعلى عِلّيـين وهم في أسفل سافلين أو لأنهم في أوج الكرامةِ وهم في حضيض الذلِّ والمهانةِ أو لأنهم يتطاولون عليهم في الآخرة فيسخَرون منهم كما سخِروا منهم في الدنيا، والجملةُ معطوفةٌ على ما قبلها، وإيثارُ الاسمية للدلالة على دوام مضمونِها { وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء } أي في الدارين { بِغَيْرِ حِسَابٍ } بغير تقدير، فيوسِّعُ في الدنيا استدراجاً تارةً وابتلاءً أخرى.