التفاسير

< >
عرض

لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ
٢٣٦
-البقرة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أي لا تِبعةَ من مهرٍ وهو الأظهرُ وقيل: من وِزْر، إذ لا بدعةَ في الطلاق قبل المسيس وقيل: كان النبـيُّ صلى الله عليه وسلم يكثر النهيَ عن الطلاق فظُن أن فيه جُناحاً فنُفيَ ذلك { إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ } أي ما لم تجامعوهن، وقرىء تُماسُّوهن بضم التاء في جميع المواقع أي مدة عدمِ مِساسِكم إياهن، على أن ما مصدريةٌ ظرفية بتقدير المضاف، ونقل أبو البقاءِ أنها شرطية بمعنى إن فيكون من باب اعتراض الشرط على الشرط فيكون الثاني قيداً للأول كما في قولك: إنْ تأتِني إن تُحسِنْ إلي أكرمْك أي إن تأتني محسِناً إليَّ والمعنى إن طلقتموهن غيرَ ماسِّين لهن، وهذا المعنى أقعَدُ من الأول لما أن ما الظرفية إنما يحسُن موقعُها فيما إذا كان المظروفُ أمراً ممتداً منطبقاً على ما أضيف إليها من المدة أو الزمان كما في قوله تعالى: { خَـٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } [هود، الآية 107] وقوله تعالى: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } [المائدة، الآية 117] ولا يخفى أن التطليقَ ليس كذلك، وتعليقُ الظرف بنفي الجُناحِ ربما يوهم إمكانَ المسيسِ بعد الطلاق، فالوجهُ أن يقدَّرَ الحالُ مكان الزمان والمدة { أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } أي إلا أن تفرِضوا أو حتى تفرضوا لهن عند العقد مَهراً، على أن فريضة فعلية بمعنى مفعول، والتاءُ لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية، وانتصابُه على المفعولية ويجوز أن يكون مصدراً صيغةً وإعراباً، والمعنى أنه لا تِبعَةَ على المطلِّق بمطالبة المَهر أصلاً إذا كان الطلاقُ قبل المسيس على كل حال إلا في حال تسمية المهرِ فإن عليه حينئذٍ نصفَ المسمَّى، وفي حال عدمِ تسميتِه عليه المتعةُ لا نصفُ مَهرِ المثل وأما إذا كان بعد المسيسِ فعليه في صورة التسمية تمامُ المسمَّى، وفي صورة عدمها تمامُ مَهر المثل وقيل: كلمةُ أو عاطفةٌ لمدخولها على ما قبلها من الفعل المجزومِ على معنى ما لم يكن منكم مسيسٌ ولا فرضُ مَهرٍ.

{ وَمَتّعُوهُنَّ } عطفٌ على مقدّر ينسحبُ عليه الكلام أي فطلِّقوهن ومتِّعوهن، والحكمةُ في إيجاب المتعة جبرُ إيحاش الطلاقِ وهي دِرعٌ ومِلْحفة وخِمار على حسب الحال كما يُفصِحُ عنه قوله تعالى: { عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدْرُهُ } أي ما يليق بحال كلَ منهما وقرىء بسكون الدال وهي جملةٌ مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإعراب مبـينةٌ لمقدار المتعة بالنظر إلى حال المطلِّق إيساراً وإقتاراً، أو حالٌ من فاعل متِّعوهن بحذف الرابط أي على الموسع منكم الخ أو على جعل الألف واللام عوضاً من المضاف إليه عند من يجوّزه أي على موسعكم الخ وهذا إذا لم يكن مهرُ مثلِها أقل من ذلك فإن كان أقل فلها الأقلُ من نصف مهر المثل ومن المتعة ولا يُنقص عن خمسة دراهم { مَّتَـٰعًا } أي تمتيعاً { بِٱلْمَعْرُوفِ } أي بالوجه الذي تستحسنه الشريعةُ والمروءة { حَقّاً } صفةٌ لمتاعاً أو مصدرٌ مؤكد أي حُقَّ ذلك حقاً { عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ } أي الذين يُحسنون إلى أنفسهم بالمسارعة إلى الامتثال، أو إلى المطلقات بالتمتيع بالمعروف وإنما سموا محسنين اعتباراً للمشارفة وترغيباً وتحريضاً.