التفاسير

< >
عرض

وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ
٢٤١
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
٢٤٢
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ
٢٤٣
-البقرة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلِلْمُطَلَّقَـٰتِ } سواءٌ كن مدخولاً بهن أو لا { مَتَـٰعٌ } أي مطلقُ المتعة الشاملة الواجبةِ والمستحبة وأوجبها سعيدُ بنُ جبـير، وأبو العالية، والزُهري للكل وقيل: المراد بالمتاع نفقةُ العِدة وقيل: اللام للعهد والمراد غيرُ المدخول بهن والتكريرُ للتأكيد { بِٱلْمَعْرُوفِ } شرعاً وعادة { حَقّا عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } أي مما ينبغي { كَذٰلِكَ } أي مثلَ ذلك البـيانِ الواضح { يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَـٰتِهِ } الدالةَ على أحكامه التي شرعها لعباده { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } لكي تفهموا ما فيها وتعملوا بموجبها.

{ أَلَمْ تَرَ } تقريرٌ لمن سمع بقصتهم من أهل الكتاب وأربابِ الأخبار من شأنهم البديع فإن سماعَهم لها بمنزلة الرؤية النظريةِ أو العلمية أو لكل أحدٍ ممن له حظٌّ من الخطاب إيذاناً بأن قصتهم من الشهرة والشيوع بحيث يحِقُّ لكل أحد أن يُحمل على الإقرار برؤيتهم وسماع قصتهم ويعجب بها وإن لم يكن ممن رآهم أو سمع بقصتهم فإن هذا الكلامَ قد جرى مجرى المَثلِ في مقام التعجيب لما أنه شُبّه حالُ غيرِ الرائي لشيءٍ عجيب بحال الرائي له بناءً على ادعاء ظهورِ أمره وجلائِه بحيث استوى في إدراكه الشاهدُ والغائبُ ثم أُجريَ الكلامُ معه كما يجري مع الرائي قصداً إلى المبالغة في شهرته وعَراقتِه في التعجب، وتعديةُ الرؤيةِ بإلى في قوله تعالى: { إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ } على تقدير كونِها بمعنى الأنصار باعتبار معنى النظر على تقدير كونِها إدراكاً قلبـياً لتضمين معنى الوصول والانتهاء على معنى ألم ينتهِ علمُك إليهم { وَهُمْ أُلُوفٌ } أي ألوف كثيرة قيل: عشرةُ آلاف وقيل: ثلاثون وقيل: سبعون ألفاً، والجملةُ حال من فاعل خرَجوا وقوله عز وجل: { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } مفعول له. رُوي أن أهلَ داوردان - قرية قبل واسِط - وقع فيهم الطاعونُ فخرجوا منها هاربـين فأماتهم الله ثم أحياهم ليعتبروا ويعلموا ألا مفرَّ من حكم الله عز سلطانُه وقضاؤه، وقيل: مر عليهم حِزْقيلُ بعد زمان طويل وقد عرِيَتْ عظامُهم وتفرقت أوصالُهم فلوى شدقيه وأصابعَه تعجباً مما رأى من أمرهم فأُوحيَ إليه نادِ فيهم أن قوموا بإذن الله فنادى فإذا هم قيام يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لا إلٰه إلا أنت. وقيل: هم قومٌ من بني إسرائيلَ دعاهم ملكُهم إلى الجهاد فهربوا حذراً من الموت فأماتهم الله تعالى ثمانية أيامٍ ثم أحياهم. وقوله عز وجل: { فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ } إما عبارةٌ عن تعلق إرادته تعالى بموتهم دفعةً، وإما تمثيلٌ لإماتته تعالى إياهم مِيتةَ نفسٍ واحدة في أقرب وقتٍ وأدناه وأسرعِ زمان وأوحاه بأمر آمرٍ مطاعٍ لمأمور مطيع كما في قوله تعالى: { { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [يس، الآية: 82]؛ { ثُمَّ أَحْيَـٰهُمْ } عطفٌ إما على مقدَّر يستدعيه المقامُ أي فماتوا ثم أحياهم وإنما حُذف للدلالة على الاستغناء عن ذكره لاستحالة تخلُّف مرادِه تعالى عن إرادته وإما على قال لما أنه عبارةٌ عن الإماته، وفيه تشجيعٌ للمسلمين على الجهاد والتعرُّضِ لأسباب الشهادةِ وأن الموتَ حيث لم يكن منه بدٌّ ولم ينفعْ منه المفرُّ فأولىٰ أن يكون في سبـيل الله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ } عظيمٍ { عَلَى ٱلنَّاسِ } قاطبةً، أما أولئك فقد أحياهم ليعتبروا بما جرى عليهم فيفوزوا بالسعادة العظمى، وأما الذين سمِعوا قِصتَهم فقد هداهم إلى مسلك الاعتبارِ والاستبصار { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } أي لا يشكرون فضلَه كما ينبغي ويجوز أن يراد بالشكر الاعتبارُ والاستبصارُ، وإظهارُ الناس في مقام الإضمار لمزيد التشنيع.