التفاسير

< >
عرض

وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ
٤٥
ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ
٤٦
يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ
٤٧
-البقرة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ } متصلٌ بما قبله كأنهم لما كُلفوا ما فيه من مشقةٌ من ترك الرياسةِ والإعراضِ عن المال عولجوا بذلك والمعنى استعينوا على حوائجكم بانتظار النُّجْحِ والفرَج توكلاً على الله تعالى أو بالصوم الذي هو الصبرُ عن المفطِرات لما فيه من كسر الشهوةِ وتصفيةِ النفس والتوسل بالصلاة والالتجاءِ إليها فإنها جامعةٌ لأنواع العبادات النفسانية والبدنية، من الطهارة وسترِ العورة وصرفِ المال فيهما والتوجهِ إلى الكعبة والعكوفِ على العبادة وإظهارِ الخشوعِ بالجوارحِ وإخلاصِ النية بالقلب ومجاهدةِ الشيطان ومناجاة الحقِّ وقراءةِ القرآنِ والتكلمِ بالشهادة وكفِّ النفسِ عن الأطيبَـيْنِ حتى تجابوا إلى تحصيل المآرب وجبر المصائب.

روي أنه عليه السلام كان إذا حزَّ به أمرٌ فزِعَ إلى الصلاة ويجوز أن يُرادَ بها الدعاء { وَإِنَّهَا } أي الاستعانةَ بهما أو الصلاة وتخصيصَها بردِّ الضمير إليها لعِظم شأنِها واشتمالِها على ضروبٍ من الصبر كما في قوله تعالى: { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَـٰرَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّواْ إِلَيْهَا } [الجمعة، الآية 11] أو جُملةِ ما أُمروا بها ونُهوا عنها { لَكَبِيرَةٌ } لثقيلة شاقةٌ كقوله تعالى: { { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } [الشورى، الآية 13] { إِلاَّ عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ } الخشوعُ الإخباتُ ومنه الخشْعةُ للرملة المتطامنةِ والخضوعُ اللين والانقيادُ ولذلك يقال: الخشوعُ بالجوارح والخضوعُ بالقلب وإنما لم تثقُلْ عليهم لأنهم يتوقعون ما أُعد لهم بمقابلتها فتهونُ عليهم ولأنهم يستغرقون في مناجاة ربِّهم فلا يُدركون ما يجري عليهم من المشاقِّ والمتاعبِ، ولذلك قال عليه السلام: "و[جُعِلَ] قُرَّةُ عيني في الصَّلاة" والجملةُ حاليةٌ أو اعتراضٌ تذيـيلي { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رٰجِعُونَ } أي يتوقعون لقاءَه تعالى ونيلَ ما عنده من المثوبات، والتعرضُ لعنوان الربوبـية مع الإضافة إليهم للإيذان بفيضَان إحسانِه إليهم أو يتيقنون أنهم يُحشرون إليه للجزاءِ فيعمَلون على حسب ذلك رغبةً ورهبة، وأما الذين لا يوقنون بالجزاء ولا يرجُون الثوابَ ولا يخافون العقابَ كانت عليهم مشقةً خالصةً فتَثْقُلُ عليهم، كالمنافقين والمرائين، فالتعرُضُ للعنوان المذكور للإشعار بعلِّية الربوبـيةِ والمالكيةِ للحُكْم، ويؤيده أن في مصحفِ ابنِ مسعود رضي الله عنه (يعلمون) وكأن الظنَّ لما شابه العلم في الرُّجحان أطلق عليه لتضمين معنى التوقع قال:

فأرسلْتُه مستيقِنَ الظنِّ إنهمخالطُ ما بـين الشراسيفِ جائفُ

وجعل خبر إن في الموضعين اسماً للدلالة على تحقق اللقاء والرجوعِ وتقرُّرِهما عندهم { يَـٰبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } كُرر التذكيرُ للتأكيد ولربط ما بعده من الوعيد الشديدِ به { وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ } عطفٌ على نعمتيَ عطفَ الخاصِّ على العامِّ لكماله أي فضلتُ آباءَكم { عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي عالَمِي زمانِهم بما منحتُهم من العلم والإيمانِ والعملِ الصالحِ وجعلتُهم أنبـياءَ وملوكاً مُقسِطين، وهم آباؤهم الذين كانوا في عصر موسى عليه السلام وبعده قبل أن يغيّروا.