التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٨٢
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ
٨٣
-البقرة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } جرت السنةُ الإلهيةُ على شفْع الوعدِ بالوعيد مراعاةً لما تقتضيه الحِكمةُ في إرشاد العبادِ من الترغيب تارةً والترهيبِ أخرى، والتبشيرِ مرةً والإنذارِ أخرى { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرٰءِيلَ } شروعٌ في تَعداد بعضٍ آخرَ من قبائح أسلافِ اليهودِ مما ينادي بعدم إيمانِ أخلافِهم، وكلمةُ إذ نُصب بإضمار فعلٍ خوطب به النبـيُّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنون ليؤدِّيَهم التأملُ في أحوالهم إلى قطع الطمَع عن إيمانهم، أو اليهودُ الموجودون في عهد النبوة توبـيخاً لهم بسوء صنيعِ أسلافِهم أي اذكروا إذ أخذنا ميثاقهم { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } على إرادة القول أي وقلنا أو قائلين لا تعبدون إلخ وهو إخبارٌ في معنى النهي كقوله تعالى: { وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } وكما تقول: تذهب إلى فلان وتقول كيتَ وكيتْ وهو أبلغُ من صريح النهي لما فيه من إيهام أن المنهيَّ حقُّه أن يسارعَ إلى الانتهاء عما نُهي عنه فكأنه انتهى عنه فيُخبرُ به الناهيَ. ويؤيده قراءةُ (لا تعبدوا) وعطفُ (قولوا) عليه وقيل تقديره أن لا تعبدوا إلخ فحُذِف الناصبُ ورُفع الفعل كما في قوله: [الطويل]

ألا أيُّهذا الزاجري أحضرُ الوغَىوأن أشهدَ اللذاتِ، هل أنت مُخْلِدي؟

ويعضُدُه قراءةُ (ألا تعبُدوا) فيكون بدلاً من الميثاق أو معمولاً له بحذف الجار وقيل: إنه جوابُ قسمٍ دل عليه المعنى كأنه قيل: وحلّفناهم لا تعبدون إلا الله، وقرىء بالياء لأنهم غُيَّبٌ { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } متعلق بمضمر أي وتحسنون أو وأحسنوا { وَذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ } عطفٌ على الوالدين ويتامىٰ جمع يتيم كندامىٰ جمع نديم، وهو قليل، ومسكين مِفْعيل من السكون كأن الفقرَ أسكنه من الحَراك وأثخنه عن التقلب { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا } أي قولاً حسناً سماه (حُسْناً) مبالغة وقرىء كذلك وحُسُناً بضمتين، وهي لغة أهل الحجاز وحُسْنى كبُشرى والمراد به ما فيه تخلّقٌ وإرشاد { وأقيموا الصلاة وآتوا وآتوا الزكاة } هما ما فُرض عليهم في شريعتهم { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } إن جُعل ناصبُ الظرف خطاباً للنبـي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فهذا التفاتٌ إلى خطاب بني إسرائيلَ جميعاً بتغليب أخلافِهم على أسلافهم لجَرَيان ذِكرِ كلِّهم حينئذ على نهْج الغَيْبة، فإن الخطاباتِ السابقةَ لأسلافهم محْكيةٌ داخلةٌ في حيز القول المقدّر قبل لا تعبدون كأنهم استُحضِروا عند ذكرِ جناياتِهم فنُعيت هي عليهم، وإنْ جعل خِطاباً لليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا تعميمٌ للخطاب بتنزيل الأسلافِ منزلةَ الأخلاف كما أنه تعميمٌ للتولي بتنزيل الأخلافِ منزلةَ الأسلاف للتشديد في التوبـيخ أي أعرضتم عن المُضِيِّ على مقتضىٰ الميثاقِ ورفضتموه { إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ } وهم من الأسلاف مَنْ أقام اليهوديةَ على وجهها قبل النسخِ، ومن الأخلاف مَنْ أسلم كعبد اللَّه بنِ سلام وأضرابِه { وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } جملةٌ تذيـيلية أي وأنتم قومٌ عادَتُكم الإعراضُ عن الطاعة ومراعاةِ حقوقِ الميثاق، وأصلُ الإعراض الذهابُ عن المواجهة والإقبالُ إلى جانب العَرْض.