التفاسير

< >
عرض

وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
٩٦
-البقرة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ } من الوُجدان العقليّ، وهو جار مجرىٰ العلم خلا أنه مختصٌّ بما يقع بعد التجربة ونحوِها، ومفعولاه الضميرُ وأحرصَ، والتنكيرُ في قوله تعالى: { عَلَىٰ حَيَوٰةٍ } للإيذان بأن مرادهم نوعٌ خاص منها وهي الحياة المتطاولة، وقرىء بالتعريف { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } عطفٌ على ما قبله بحسب المعنى كأنه قيل: أحرصَ من الناس ومن الذين أشركوا، وإفرادُهم بالذكر مع دخولهم في الناس للإيذان بامتيازهم من بـينهم بشدة الحرصِ، للمبالغة في توبـيخ اليهودِ، فإن حرصَهم وهم معترفون بالجزاء لمّا كان أشدَّ من حرص المشركين المنكرين له دلّ ذلك على جزمهم بمصيرهم إلى النار، ويجوز أن يُحملَ على حذف المعطوف ثقةً بإنباء المعطوفِ عليه عنه، أي وأحرصَ من الذين أشركوا فقوله تعالى: { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ } بـيان لزيادة حرصِهم على طريقة الاستئناف ويجوز أن يكون في حيز الرفعِ صفةً لمبتدإٍ محذوفٍ خبرُه الظرفُ المتقدم على أن يكون المرادُ بالمشركين اليهودَ لقولهم عزيرٌ بنُ الله، أي ومنهم طائفة يودُّ أحدُهم أيَّهم كان، أي كلُّ واحد منهم { لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } وهو حكاية لودادتهم كأنه قيل: ليتني أُعَمَّرُ، وإنما أُجريَ على الغَيبة لقوله تعالى يود كما تقول حلف بالله ليفعلَنّ، ومحلُه النصبُ على أنه مفعولُ يود إجراءً له مُجرىٰ القول لأنه فعل قلبـيٌّ { وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } ما حجازيةٌ والضميرُ العائد على (أحدُهم) اسمُها وبمُزَحْزحِه خبرُها والباء زائدة و{ أَن يُعَمَّرَ } فاعلُ مزحزحِه أي وما أحدهم بمَنْ يزحزِحُه أي يُبعده وينْجيه من العذاب تعميرُه، وقيل: الضمير لما دل عليه يُعمَّر من المصدر، و(أن يعمر) بدلٌ منه وقيل: هو مبهم، وأن يعمّر مفسرةٌ والجملةُ حال من أحدهم والعامل يود لا يُعمَّر على أنها حالٌ من ضميره لفساد المعنى، أو اعتراض. وأصلُ سنة سَنْوَة لقولهم سنَوَات وسَنْية وقيل: سَنْهة كجبهة لقولهم سانهتُه وسُنَيهة وتسنّهت النخلة إذا أتت عليها السنون { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } البصيرُ - في كلام العرب - العالمُ بكنه الشيء الخبـيرُ به، ومنه قولهم فلان بصيرٌ بالفقه، أي عليم بخفيات أعمالهم فهو مجازيهم بها لا محالة، وقرىء بتاء الخطاب التفاتاً وفيه تشديد للوعيد.