التفاسير

< >
عرض

وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ
١٣٢
وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ
١٣٣
وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ
١٣٤
-طه

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ } أُمر عليه السلام بأن يأمر أهلَ بـيته والتابعين له من أمته بالصلاة بعد ما أُمر هو بها ليتعاونوا على الاستعانة على خَصاصتهم ولا يهتموا بأمر المعيشة ولا يلتفتوا لفتَ أربابِ الثروة { وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا } وثابرْ عليها غيرَ مشتغلٍ بأمر المعاش { لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً } أي لا نكلّفك أن ترزُقَ نفسَك ولا أهلَك { نَّحْنُ نَرْزُقُكَ } وإياهم ففرِّغْ بالَك بأمر الآخرة { وَٱلْعَـٰقِبَةُ } الحميدةُ { لِلتَّقْوَىٰ } أي لأهل التقوى، على حذف المضافِ وإقامة المضافِ إليه مُقامَه تنبـيهاً على أن مَلاكَ الأمر هو التقوى. روي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أصاب أهلَه ضُرٌّ أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية.

{ وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِـئَايَةٍ مّن رَّبّهِ } حكاية لبعض أقاويلهم الباطلةِ التي أُمر عليه السلام بالصبر عليها، أي هلا يأتينا بآية تدل على صدقه في دعوى النبوةِ أو بآية مما اقترحوها بلغوا من المكابرة والعِناد إلى حيث لم يعُدوا ما شاهدوا من المعجزات التي تخِرّ لها صُمُّ الجبال من قبـيل الآيات حتى اجترأوا على التفوه بهذه العظيمة الشنعاء، وقوله تعالى: { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا فِى ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } أي التوراةِ والإنجيل وسائرِ الكتبِ السماوية، ردٌّ من جهته جل وعلا لمقالتهم القبـيحةِ وتكذيبٌ لهم فيما دسوا تحتها من إنكار مجيءِ الآية بإتيان القرآنِ الكريم الذي هو أمُّ الآياتِ وأُسُّ المعجزات وأعظمُها وأبقاها، لأن حقيقةَ المعجزةِ اختصاصُ مدّعي النبوة بنوع من الأمور الخارقةِ للعادات أيِّ أمرٍ كان، ولا ريب في أن العلمُ أجلُّ الأمور وأعلاها إذ هو أصلُ الأعمال ومبدأَ الأفعالِ ولقد ظهر مع حيازته لجميع علومِ الأولين والآخرين على يد أميَ لم يمارس شيئاً من العلوم ولم يدارس أحداً من أهلها أصلاً، فأيُّ معجزة تُراد بعدَ ورودِه وأيُّ آية ترام مع وجوده، وفي إيراده بعنوان كونِه بـينةَ ما في الصحف الأولى ومن التوراة والإنجيل وسائرِ الكتبِ السماوية ـ أي شاهداً بحقية ما فيها من العقائد الحقةِ وأصولِ الأحكام التي أجمعت عليها كافةُ الرسل، وبصحة ما تنطِقُ به من أنباء الأمم من حيث أنه غنيٌّ بإعجازه عما يشهد بحقّيته، حقيقٌ بإثبات حقّيةِ غيرِه ـ ما لا يخفى من تنويه شأنِه وإنارة برهانِه، ومزيدُ تقريرٍ وتحقيقٍ لإتيانه، وإسنادُ الإتيان إليه مع جعلهم إياه مأتياً به للتنبـيه على أصالته فيه مع ما فيه من المناسبة للبـينة، والهمزةُ لإنكار الوقوعِ والواوُ للعطف على مقدر يقتضيه المقامُ، كأنه قيل: ألم يأتهم سائرُ الآياتِ ولم تأتهم خاصةً بـينةُ ما في الصحف الأولى؟ تقريراً لإتيانه وإيذاناً من الوضوح بحيث لا يتأتى منهم إنكارُه أصلاً وإن اجترأوا على إنكار سائر الآياتِ مكابرةً وعِناداً، وقرىء أولم يأتهم بالياء التحتانية، وقرىء الصُّحْفِ بالسكون تخفيفاً.

وقوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَـٰهُمْ بِعَذَابٍ } إلى آخر الآية جملةٌ مستأنفةٌ سيقت لتقرير ما قبلها من كون القرآن آيةً بـينةً لا يمكن إنكارُها ببـيان أنهم يعترفون بها يوم القيامة، والمعنى لو أنا أهلكناهم في الدنيا بعذاب مستأصِل { مِن قَبْلِهِ } متعلقٌ بأهلكنا أو بمحذوف هو صفةٌ لعذاب أي بعذاب كائنٍ من قبل إتيانِ البـينة أو قبلِ محمد عليه الصلاة والسلام { لَقَالُواْ } أي يوم القيامة { رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا } في الدنيا { رَسُولاً } مع كتاب { فَنَتَّبِعَ ءايَـٰتِكَ } التي جاءنا بها { مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ } بالعذاب في الدنيا { وَنَخْزَىٰ } بدخول النار اليوم ولكنا لم نُهلكهم قبل إتيانِها فانقطعت معذِرتُهم فعند ذلك قالوا: بلى، قد جاءنا نذيرٌ فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء.