التفاسير

< >
عرض

وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي
٤١
ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي
٤٢
ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ
٤٣
فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ
٤٤
-طه

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

قوله تعالى: { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى } تذكيرٌ لقوله تعالى: { أَنَاْ ٱخْتَرْتُكَ } وتمهيدٌ لإرساله عليه السلام إلى فرعون مؤيّداً بأخيه حسبما استدعاه بعد تذكيرِ المِنن السابغةِ تأكيداً لوثوقه عليه السلام بحصول نظائرِها اللاحقة، وهذا تمثيلٌ لما خوّله عز وعلا من الكرامة العظمى بتقريب الملِكِ بعضَ خواصّه واصطناعِه لنفسه وترشيحِه لبعض أمورِه الجليلة، والعدولُ عن نون العظمة الواقعة في قوله تعالى: { وَفَتَنَّـٰكَ } ونظيرَيه السابقين تمهيدٌ لإفراد لفظِ النفسِ اللائقِ بالمقام فإنه أدخلُ في تحقيق معنى الاصطناعِ والاستخلاص، أي اصطفيتُك برسالاتي وبكلامي وقوله تعالى: { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ } أي وليذهبْ أخوك حسبما استدعيتَ، استئنافٌ مَسوق لبـيان ما هو المقصودُ بالاصطناع { بِآيَـٰتِي } أي بمعجزاتي التي أرَيتُكَها من اليد والعصا فإنهما وإن كانتا اثنتين لكن في كل منهما آياتٌ شتى كما في قوله تعالى: { { فِيهِ ءايَـٰتٌ بَيّـنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرٰهِيمَ } [آل عمران: 97] فإن انقلاب العصا حيواناً آيةٌ، وكونَها ثعباناً عظيماً لا يقادَر قدرُه آيةٌ آخرى، وسرعةَ حركتِه مع عِظم جِرْمه آيةٌ أخرى، وكونَه مع ذلك مسخراً له عليه السلام بحيث كان يُدخل يده في فمه فلا يضره آيةٌ أخرى، ثم انقلابُها عصاً آيةٌ أخرى، وكذلك اليدُ فإن بـياضها في نفسه آيةٌ وشعاعَها آيةٌ، ثم رجوعُها إلى حالتها الأولى آيةٌ أخرى. والباء للمصاحبة لا للتعدية إذ المراد ذهابُهما إلى فرعون ملتبسين بالآيات متمسّكين بها في إجراء أحكامِ الرسالة وإكمالِ أمر الدعوة لا مجردُ إذهابِها وإيصالها إليه { وَلاَ تَنِيَا } لا تفتُرا ولا تقصّرا، وقرىء لا تِنيا بكسر التاء للاتباع { فِى ذِكْرِى } أي بما يليق بـي من الصفات الجليلةِ والأفعال الجميلة عند تبليغِ رسالتي والدعاءِ إليّ، وقيل: المعنى لا تنيا في تبليغ رسالتي فإن الذكرَ يقع على جميع العبادات وهو أجلُّها وأعظمُها، وقيل: لا تنسَياني حيثما تقلبتما واستمِدّا بذكري العونَ والتأيـيدَ واعلما أن أمراً من الأمور لا يتأتى ولا يتسنّى إلا بذكري.

{ ٱذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } جمعهما في صيغة أمر الحاضرِ مع غَيبة هارون إذ ذاك للتغليب، وكذا الحالُ في صيغة النهي. روي أنه أوحي إلى هارونَ وهو بمصر أن يتلقّى موسى عليهما السلام، وقيل: سمِع بإقباله فتلقاه { إِنَّهُ طَغَىٰ } تعليلٌ لموجب الأمر.

والفاء في قوله تعالى: { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً } لترتيب ما بعدها على طغيانه فإن تليـينَ القولِ مما يكسِر سَوْرةَ عنادِ العُتاة ويُلين عريكةَ الطغاة. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تُعنّفا في قولكما، وقيل: القولُ اللين مثل: { { هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبّكَ } [النازعات: 18، 19] فإنها دعوةٌ في صورة عَرْض ومَشورة، ويرده ما سيجيء من قوله تعالى: { { فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ } [طه: 47] الآيتين، وقيل: كنِّياه وكان له ثلاثُ كُنًى: أبو العباس وأبو الوليد وأبو مُرّة، وقيل: عِداه شباباً لا يهرَم ويبقى له لذةُ المطعم والمشرب والمنكِح ومُلكاً لا يزول إلا بالموت، وقرىء لَيْنا { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ } بما بلغتُماه من ذكري ويرغب فيما رغّبتماه فيه { أَوْ يَخْشَىٰ } عقابـي، ومحلُّ الجملة النصبُ على الحال من ضمير التثنية، أي فقولا له قولاً ليناً راجين أن يتذكر أو يخشى، وكلمةُ أو لمنع الخلوّ أي باشِرا الأمرَ مباشرةَ مَنْ يرجو ويطمع في أن يُثمر عملُه ولا يخيبَ سعيُه وهو يجتهد بطَوْقه ويحتشد بأقصى وُسْعه. وجدوىٰ إرسالِهما إليه مع العلم بحاله إلزامُ الحجة وقطعُ المعذرة.