التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ
٧٣
إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ
٧٤
وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ ٱلصَّالِحَاتِ فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَاتُ ٱلْعُلَىٰ
٧٥
-طه

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِنَّا ءَامَنَّا بِرَبّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَـٰيَـٰنَا } التي اقترفنا فيها من الكفر والمعاصي ولا يؤاخذَنا بها في الدار الآخرة، لا ليمتّعنا بتلك الحياةِ الفانية حتى نتأثرَ بما أوعدتَنا به من القطع والصلب، وقوله تعالى: { وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسّحْرِ } عطفٌ على خطايانا أي ويغفرَ لنا السحرَ الذي عمِلناه في معارضة موسى عليه السلام بإكراهك وحشرِك إيانا من المدائن القاصية، خصّوه بالذكر مع اندراجه في خطاياهم إظهاراً لغاية نفرتِهم عنه ورغبتهم في مغفرته، وذكرُ الإكراه للإيذان بأنه مما يجب أن يُفرَد بالاستغفار منه مع صدوره عنهم بالإكراه، وفيه نوعُ اعتذارٍ لاستجلاب المغفرةِ، وقيل: أرادوا الإكراهَ على تعلم السحر حيث روي أن رؤساءَهم كانوا اثنين وسبعين: اثنان منهم من القِبط والباقي من بني إسرائيل، وكان فرعون أكرههم على تعلم السحر، وقيل: إنه أكرههم على المعارضة حيث روي أنهم قالوا لفرعون: أرِنا موسى نائماً ففعل فوجدوه تحرُسه عصاه، فقالوا: ما هذا بسحر فإن الساحرَ إذا نام بطل سحرُه، فأبى إلا أن يعارضوه ويأباه تصدّيهم للمعارضة على الرغبة والنشاط كما يُعرب عنه قولُهم: { { إِنَّ لَنَا لأجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَـٰلِبِينَ } [الأعراف: 113] وقولهم: { { بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَـٰلِبُونَ } [الشعراء: 44] { وَٱللَّهُ خَيْرُ } أي في حد ذاتِه وهو ناظرٌ إلى قولهم: والذي فطرنا { وَأَبْقَىٰ } أي جزاءً، ثواباً كان أو عذاباً أو خيرٌ ثواباً وأبقى عذاباً.

وقوله تعالى: { إِنَّهُ } إلى آخر الشرطيتين تعليلٌ من جهتهم لكونه تعالى خيراً وأبقى جزاءٌ وتحقيقٌ له وإبطالٌ لما ادّعاه فرعون، وتصديرُهما بضمير الشأنِ للتنبـيه على فخامة مضمونِهما لأن مناطَ وضْع الضميرِ موضعَه ادّعاءُ شهرتِه المغْنيةِ عن ذكره مع ما فيه من زيادة التقريرِ فإن الضميرَ لا يفهم منه من أول الأمرِ إلا شأنٌ مبهمٌ له خطرٌ فيبقى الذهنُ مترقِّباً لما يعقُبه فيتمكن عند وروده له فضلُ تمكن، كأنه قيل: إن الشأنَ الخطيرَ هذا أي قوله تعالى: { مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً } بأن مات على الكفر والمعاصي { فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا } فينتهيَ عذابُه وهذا تحقيقٌ لكون عذابه أبقى { وَلاَ يَحْيَا } حياةً ينتفع بها.

{ وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً } به تعالى وبما جاء من عنده من المعجزات التي من جملتها ما شاهدناه { قَدْ عَمِلَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } الصالحةُ كالحسنة جاريةٌ مجرى الاسم ولذلك لا تُذكر غالباً مع الموصوف وهي كلُّ ما استقام من الأعمال بدليل العقلِ والنقل { فَأُوْلَـئِكَ } إشارةٌ إلى مَنْ والجمعُ باعتبار معناها كما أن الإفراد في الفعلين السابقين باعتبار لفظِها، وما فيه من معنى البُعد للإشعار بعلوّ درجتِهم وبُعد منزلتِهم، أي فأولئك المؤمنون العاملون للصالحات { لَهُمْ } بسبب إيمانِهم وأعمالِهم الصالحة { وَٱلدَرجَـٰتُ ٱلْعُلَى } أي المنازلُ الرفيعةُ، وليس فيه ما يدل على عدم اعتبارِ الإيمان المجرد عن العمل الصالحِ في استتباع الثوابِ، لأن ما نيط بالإيمان المقرون بالأعمال الصالحة هو الفوزُ بالدرجات العلى لا بالثواب مطلقاً وهل التشاجرُ إلا فيه.