التفاسير

< >
عرض

كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ
٨١
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ
٨٢
وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ
٨٣
قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ
٨٤
-طه

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ كُلُواْ } جملةٌ مستأنفة مَسوقة لبـيان إباحة ما ذكر لهم وإتماماً للنعمة عليهم { مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } أي من لذائذه أو من حلالاته، وقرىء رزقكم، وفي البدء بنعمة الإنجاءِ ثم بالنعمة الدينية ثم بالنعمة الدنيوية من حسن النظمِ ولطفِ الترتيب ما لا يخفى { وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره والتعدّي لما حُدّ لكم فيه كالسرَف والبطَر والمنع من المستحِق { فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى } جواب للنهي أي فتلزمَكم عقوبتي وتجبَ لكم، من حلّ الدَّينُ إذا وجب أداؤه { وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَىٰ } أي تردّى وهلك، وقيل: وقع في الهاوية، وقرىء فيحُلَّ بضم الحاء من حل يحُل إذا نزل.

{ وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ } من الشرك والمعاصي التي من جملتها الطغيانُ فيما ذكر { وَءَامَنَ } بما يجب الإيمان به { وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً } أي عملاً صالحاً مستقيماً عند الشرع والعقلِ، وفيه ترغيبٌ لمن وقع منه الطغيانُ فيما ذكر وحثٌّ على التوبة والإيمان وقوله تعالى: { ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } أي استقام على الهدى إشارةٌ إلى أن من لم يستمرَّ عليه بمعزل من الغفران وثم للتراخي الرتبـي.

{ وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } حكايةٌ لما جرى بـينه تعالى وبـين موسى عليه الصلاة والسلام من الكلام عند ابتداءِ موافاته الميقاتَ بموجب المواعدةِ المذكورة، أي قلنا له: أيُّ شيءٍ أعجلك منفرداً عن قومك؟ وهذا كما ترى سؤالٌ عن سبب تقدمه على النقباء مَسوقٌ لإنكار انفرادِه عنهم لما في ذلك بحسب الظاهر من مخايل إغفالهم وعدمِ الاعتداد بهم مع كونه مأموراً باستصحابهم وإحضارِهم معه، لا لإنكاره نفسَ العجلة الصادرةِ عنه عليه الصلاة والسلام لكونها نقيصةً منافية للحزم اللائقِ بأولي العزم، ولذلك أجاب عليه الصلاة والسلام بنفي الانفرادِ المنافي للاستصحاب والمعية حيث { قَالَ هُمْ أُوْلاء عَلَىٰ أَثَرِى } يعني إنهم معي وإنما سبقتهم بخُطاً يسيرة ظننتُ أنها لا تُخِل بالمعية ولا تقدح في الاستصحاب، فإن ذلك مما لا يعتد به فيما بـين الرفقةِ أصلاً، وبعد ما ذكرَ عليه الصلاة والسلام أن تقدّمَه ذلك ليس لأمر منكر ذكَر أنه لأمر مَرضيّ حيث قال: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَىٰ } عنّي بمسارعتي إلى الامتثال بأمرك واعتنائي بالوفاء بعهدك، وزيادةُ ربِّ لمزيد الضراعةِ والابتهال رغبةً في قَبول العذر.