التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ
٢٣
وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ
٢٤
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
٢٥
-الحج

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جَنَـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } بـيان لحسنِ حالِ المُؤمنين إثر بـيان سوءِ حال الكَفرةِ وقد غُيِّر الأسلوبُ فيه بإسناد الإدخالِ إلى الله عزَّ وجلَّ. وتصديرُ الجملة بحرفِ التَّحقيقِ إيذاناً بكمال مباينةِ حالِهم لحالِ الكفرةِ وإظهاراً لمزيدِ العنايةِ بأمرِ المؤمنين ودلالة على تحقيقِ مضمونِ الكلام { يُحَلَّوْنَ فِيهَا } على البناء للمفعولِ بالتَّشديدِ من التَّحليةِ وقرىء بالتَّخفيفِ من الإحلاءِ بمعنى الإلباسِ أي يُحلِّيهم الملائكةُ بأمرِه تعالى. وقُرىء يُحلَّون من حليةِ المرأةِ إذا لبستْ حِليتَها ومن في قوله تعالى: { مِنْ أَسَاوِرَ } إما للتبعيضِ أي بعضِ أساورَ وهي جمع أَسْوِرةٍ جمع سِوارٍ أو للبـيانِ لِما أنَّ ذكرَ التَّحليةِ ممَّا يُنبىء عن الحلى المبهمِ، وقيل: زائدةٌ، وقيل: نعتٌ لمفعولٍ محذوفٍ ليحلون فإنَّه بمعنى يلبسون { مّن ذَهَبٍ } بـيانٌ للأساورِ { وَلُؤْلُؤاً } عطفٌ على محلِّ من أساورَ أو على المفعولِ المحذوفِ أو منصوبٌ بفعل مضمرٍ يدلُّ عليه يحلون أي يُؤتون. وقُرىء بالجرِّ عطفاً على أساورَ وقُرىء لؤلؤاً بقلب الهمزة الثَّانيةِ واواً ولولياً بقلبها ياءً بعد قلبهما واواً وليليا بقلبهما ياءً { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } غُيِّر الأسلوبُ حيثُ لم يقُلْ ويلبسون فيها حريراً لكن لا للدِّلالةِ على أنَّ الحريرَ ثيابُهم المعتادة أو لمجرَّدِ المحافظةِ على هيئةِ الفواصلِ بل للإيذانِ بأن ثبوت اللباسِ لهم أمر محقَّقٌ غنيٌّ عن البـيان إذ لا يمكن عراؤهم عنْهُ وإنَّما المحتاجُ إلى البـيانِ أنَّ لباسَهم ماذا بخلافِ الأساورِ واللؤلؤ فإنَّها ليستْ من اللَّوازمِ الضَّروريَّةِ فجعل بـيان تحليتهم بها مقصوداً بالذَّاتِ ولعلَّ هذا هو الباعثُ إلى تقديمِ بـيانِ التَّحليةِ على بـيانِ حالِ اللِّباس.

{ وَهُدُواْ إِلَى ٱلطَّيّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } وهو قولُهم: { { ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلاْرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ } [الزمر: 74] الآيةَ { وَهُدُواْ إِلَىٰ صِرٰطِ ٱلْحَمِيدِ } أي المحمودِ نفسُه أو عاقبتُه وهو الجنَّةُ، ووجه التَّأخيرِ حينئذٍ أنَّ ذكرَ الحمد يستدعِي ذكرَ المحمودِ.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ليس المرادُ به حالاً ولا استقبالاً وإنَّما هو استمرارُ الصَّدِّ ولذلك حسُن عطفُه على الماضي كما في قوله تعالى: { { ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } [الرعد: 28] وقيل هو حالٌ من فاعل كفروا أي وهم يصدُّون وخبر إنَّ محذوفٌ لدلالة آخرِ الآية الكريمة عليه فإنَّ من ألحدَ في الحرمِ حيثُ عُوقب بالعذاب الأليم فلأنْ يُعاقبَ من جمعَ إليه الكفرَ والصَّدَّ عن سبـيل الله بأشدَّ من ذلك أحقُّ وأولى { وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } عطف على سبـيلِ اللَّهِ قيل المرادُ به مكَّةُ بدليل وصفه بقوله تعالى: { ٱلَّذِى جَعَلْنَـٰهُ لِلنَّاسِ } أي كائناً مَن كان من غير فرقٍ بـين مكيَ وآفاقيَ { سَوَاء ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } أي المقيمُ والطارىءُ، وسواء أي مستوياً مفعول ثانٍ لجعلناه. والعاكفُ مرتفع به. واللاَّمُ متعلِّقٌ به ظرفٌ له. وفائدةُ وصفِ المسجدِ الحرامِ بذلك زيادةُ تشنيعِ الصَّادِّينَ عنه. وقُرىء سواءٌ بالرَّفعِ على أنَّه خبر مقدَّمٌ. والعاكفُ مبتدأٌ والجملة مفعول ثانٍ للجعل. وقُرىء العاكفِ بالجرِّ على أنَّه بدلٌ من النَّاسِ. { وَمَن يُرِدْ فِيهِ } ترك مفعولُه ليتناولَ كلَّ متناول كأنَّه قيل ومَن يُرد فيه مراداً ما. { بِإِلْحَادٍ } بعدولٍ عن القصدِ { بِظُلْمٍ } بغير حقَ وهما حالانِ مترادفانِ، أو الثَّاني بدلٌ من الأوَّلِ بإعادة الجارِّ أو صلةٌ له أي ملحداً بسبب الظُّلمِ كالإشراك واقتراف الآثام { نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } جواب لمن.