التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ
٣٢
لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ
٣٣
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ
٣٤
-الحج

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ ذٰلِكَ } أي الأمرُ ذلكَ أو امتثلُوا ذلك { وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ } أي الهَدَايا فإنَّها من معالم الحجِّ وشعائرِه تعالى كما يُنبىء عنه. { { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَـٰهَا لَكُمْ مّن شَعَـٰئِرِ ٱللَّهِ } [الحج: 36] وهو الأوفقُ لما بعده. وتعظيمُها اعتقادُ أنَّ التَّقربَ بها من أجلِّ القُرباتِ وأنْ يختارَها حِساناً سِماناً غاليةَ الأثمانِ. رُوي أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أهدى مائةَ بَدَنةٍ، فيها جملٌ لأبـي جهلٍ في أنفه بُرَةٌ من ذهبٍ، وأنَّ عمرَ رضي الله عنه أهدى نَجيبةً طُلبتْ منه بثلاثمائةِ دينارٍ { فَإِنَّهَا } أي فإنَّ تعظيمَها { مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } أي من أفعال ذَوي تقوىٰ القلوبِ فحُذفتْ هذه المضافاتُ والعائدُ إلى مَن. أو فإنَّ تعظيمَها ناشىءٌ من تقوى القلوب. وتخصيصُها بالإضافة لأنَّها مراكزُ التَّقوى التي إذا ثبتتْ فيها وتمكَّنتْ ظهر أثرُها في سائر الأعضاءِ.

{ لَكُمْ فِيهَا } أي في الهَدَايا { مَنَـٰفِعُ } هي درُّها ونسلُها وصوفُها وظهرُها { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } هو وقت نحرِها والتَّصدُّقُ بلحمها والأكلُ منه { ثُمَّ مَحِلُّهَا } أي وجوبُ نحرِها أو وقت نحرِها منتهيةً { إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } أي إلى ما يليهِ من الحرمِ. وثمَّ للتَّراخي الزَّمانيِّ أو الرُّتَبِّـي أي لكم فيها منافعُ دنيويَّةٌ إلى وقتِ نحرِها ثمَّ منافعُ دينيَّةٌ أعظمها في النَّفعِ محلُّها أي وجوبُ نحرِها أو وقت وجوبِ نحرِها إلى البـيتِ العتيقِ أي منتهيةً إليه. هذا وقد قيل المرادُ بالشَّعائرِ مناسكُ الحجِّ ومعالمُه. والمعنى لكُم فيها منافعُ بالأجر والثَّوابِ في قضاءِ المناسكِ وإقامةِ شعائرِ الحجَّ إلى أجلٍ مُسمَّى هو انقضاءُ أيَّامِ الحجِّ ثمَّ محلُّها أي محلُّ النَّاسِ من إحرامهم إلى البـيتِ العتيقِ أي منتهٍ إليه بأن يطوفُوا به طوافَ الزِّيارةِ يومَ النَّحرِ بعد قضاء المناسكِ، فإضافةُ المحلِّ إليها لأدنى ملابسةٍ.

{ وَلِكُلّ أُمَّةٍ } أي لكلِّ أهلِ دينٍ { جَعَلْنَا مَنسَكًا } أي مُتعبَّداً وقُرباناً يتقرَّبون به إلى الله عزَّ وجلَّ. وقُرىء بكسر السِّين أي موضعُ نُسُكٍ. وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على الفعل للتَّخصيص أي لكلِّ أُمَّةٍ من الأُممِ جعلنا منسكاً لا لبعضٍ دونَ بعضٍ. { لّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ } خاصَّةً دون غيرِه ويجعلُوا نسيكتهم لوجهه الكريمِ عُلِّل الجعلُ به تنبـيهاً على أنَّ المقصودَ الأصليَّ من المناسكِ تذكُّرُ المعبودِ. { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } عند ذبحِها، وفيه تنبـيهٌ على أنَّ القُربان يجبُ أنْ يكونَ من الأنعام. والخطابُ في قوله تعالى: { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } للكلِّ تغليباً. والفاءُ لترتيب ما بعدها على ما قبلَها فإنَّ جعلَه تعالى لكلِّ أُمَّةٍ من الأُمم مَنْسكاً ممَّا يدلُّ على وحدانيَّته تعالى. وإنَّما قيل إلٰهٌ واحدٌ ولم يُقل واحدٌ لما أنَّ المرادَ بـيانُ أنَّه تعالى واحدُ في ذاتهِ كما أنَّه واحدٌ في إلٰهيَّتهِ للكلِّ. والفاءُ في قوله تعالى: { فَلَهُ أَسْلِمُواْ } لترتيب ما بعدها من الأمر بالإسلام على وحدانيَّتهِ تعالى، وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على الأمر للقصر، أي فإذا كان إلٰهكم إلٰهاً واحداً فأخلصوا له التَّقرُّبَ أو الذِّكرَ واجعلُوه لوجههِ خاصَّةً ولا تشوبُوه بالشِّرك { وَبَشّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } تجريدٌ للخطاب إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أي المُتواضعينَ أو المُخلِصين فإنَّ الإخباتَ من الوظائف الخاصَّةِ بهم.