التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
٤٠
ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ
٤١
-الحج

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُه تعالى: { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِم } في حيِّز الجرِّ على أنَّه صفةٌ للموصولِ الأوَّلِ أو بـيانٌ له أو بدلٌ منه أو في محلِّ النَّصبِ على المدحِ أو في محلِّ الرَّفعِ بإضمارِ مبتدأ والجملةُ مرفوعةً على المدح والمرادُ بديارِهم مكَّةُ المعظَّمةُ { بِغَيْرِ حَقّ } متعلِّقٌ بأُخرجوا أي أُخرجوا بغير ما يُوجب إخراجَهم وقوله تعالى: { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } بدلٌ من حقَ أي بغير موجبٍ سوى التَّوحيدِ الذي ينبغي أنْ يكون مُوجباً للإقرارِ والتَّمكينِ دون الإخراجِ والتَّسيـير لكن لا على الظَّاهر بل على طريقة قولِ النَّابغةِ: [الطويل]

ولا عيبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهمبهنَّ فلولٌ من قراعِ الكتائبِ

وقيل الاستثناءُ منقطعٌ. { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ } بتسليطِ المؤمنين على الكافرين في كلِّ عصرٍ وزمانٍ. وقُرىء دِفاعُ { لَّهُدّمَتْ } لخُرِّبتْ باستيلاء المشركينَ على أهلِ الملل. وقُرىء هُدِمت بالتَّخفيفِ { صَوٰمِعُ } للرَّهابنةِ { وَبِيَعٌ } للنَّصارى { وَصَلَوٰتِ } أي وكنائسُ لليهودِ سُمِّيتْ بها لأنَّها يُصلَّى فيها وقيل أصلها صلوتا بالعبريَّةِ فعُرِّبتْ { وَمَسَـٰجِدُ } للمسلمين { يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً } أي ذكراً كثيراً أو وقتاً، صفةٌ مادحة للمساجدِ خُصَّت بها دلالةً على فضلها وفضلِ أهلها وقيل صفةٌ للأربعِ وليس كذلك فإنَّ بـيان ذكرِ الله عزَّ وجلَّ في الصَّوامعِ والبـيعِ والكنائسِ بعد انتساخِ شرعيَّتها ممَّا لا يقتضيه المقامُ ولا يرتضيه الأفهامُ { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } أي وباللَّهِ لينصرنَّ اللَّهُ من ينصر أولياءَهُ أو من ينصر دينَه ولقد أنجز اللَّهُ عزَّ سلطانُه وعدَهُ حيث سلَّطَ المهاجرين والأنصارَ على صناديدِ العربِ وأكاسرةِ العجمِ وقياصرةِ الرُّوم وأورثهم أرضَهم وديارَهم { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ } على كلِّ ما يُريده من مراداتهِ التي من جُملتها نصرُهم { عَزِيزٌ } لا يُمانعه شيءٌ ولا يُدافعه.

{ ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَاتَوُاْ ٱلزَّكَـوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } وصفٌ من الله عزَّ وجلَّ للذين أُخرجوا من ديارِهم بما سيكون منهم من حسن السِّيرةِ عند تمكينه تعالى إيَّاهُم في الأرض وإعطائه إيَّاهم زمامَ الأحكامِ منبىءٌ عن عِدَّةٍ كريمة على أبلغ وجهٍ وألطفِه. وعن عثمانَ رضي الله عنه هذا واللَّهِ ثناءٌ قبل بلاءٍ. يُريد أنَّه تعالى أثنى عليهم قبلَ أنْ يُحدثوا من الخيرِ ما أحدثوا. قالُوا وفيه دليلٌ على صحَّة أمر الخلفاءِ الرَّاشدينَ لأنَّه تعالى لم يعطِ التَّمكينَ ونفاذَ الأمرِ مع السِّيرةِ العادلةِ غيرهم من المهاجرين ولا حظَّ في ذلك للأنصارِ والطُّلقاءِ. وعن الحسنِرحمه الله هم أمةُ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. وقيل الذينَ بدلٌ من قولهِ مَنْ ينصرُه { وَللَّهِ } خاصَّةً { عَـٰقِبَةُ ٱلأُمُورِ } فإنَّ مرجعَها إلى حُكمهِ وتقديره فقط. وفيه تأكيدٌ للوعد بإظهار أوليائِه وإعلاءِ كلمتهِ.