التفاسير

< >
عرض

ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٥٦
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيٰتِنَا فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٥٧
-الحج

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ ٱلْمَلِكُ } أي السُّلطانُ القاهرُ والاستيلاء التَّامُّ والتَّصرُّفُ على الإطلاقِ { يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } وحدَه بلا شريكٍ أصلاً بحيث لا يكونُ فيه لأحدٍ تصرُّفٌ من التَّصرُّفاتِ في أمرٍ من الأمورِ لا حقيقةً ولا مجازاً ولا صورةً ولا معنى كما في الدُّنيا فإنَّ للبعضِ فيها تصرُّفاً صُورياً في الجملة وليس التَّنوينُ نائباً عمَّا تدلُّ عليه الغايةُ من زوالِ مريتهم كما قيل ولا عمَّا يستلزمه ذلك من إيمانهم كما قيل لما أنَّ القيدَ المعتبر مع اليَّومِ حيث وُسِّط بـين طرفَيْ الجملة يجب أنْ يكون مداراً لحكمها أعني كون الملكِ لله عزَّ وجلَّ وما يتفرَّعُ عليه من الإثابة والتَّعذيبِ ولا ريبَ في أنَّ إيمانَهم أو زوالَ مريتهم ليس ممَّا له تعلُّقٌ بما ذُكر فضلاً عن المداريةِ له فلا سبـيل إلى اعتبارِ شيءٍ منهما مع اليَّومِ قطعاً وإنَّما الذي يدورُ عليه ما ذُكر إتيانُ السَّاعةِ التي هي مُنتهى تصرُّفاتِ الخلق ومبدأُ ظهور أحكام المَلك الحقِّ جلَّ جلالُه فإذن هو نائبٌ عن نفس الجملة الواقعة غايةً لمريتهم فالمعنى: الملكُ يوم إذْ تأتيهم السَّاعةُ أو عذابُها لله تعالى. وقولُه تعالى: { يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } جملةٌ مستأنفة وقعت جواباً عن سؤال نشأَ من الإخبار بكونِ الملكِ يومئذٍ لله كأنَّه قيل: فماذا يُصنع بهم حينئذٍ؟ فقيل: يحكم بـين فريقِ المؤمنينَ به والمُمارينَ فيه بالمجازاةِ. وقوله تعالى: { فَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } الخ، تفسير للحُكم المذكور وتفصيلٌ له أي فالذين آمنُوا بالقرآن الكريم ولم يُماروا فيه { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } امتثالاً بما أُمروا في تضاعيفِه { فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } أي مستقرُّون فيها.

{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا } أي أصرُّوا على ذلك واستمرُّوا { فَأُوْلَـٰئِكَ } إشارةٌ إلى الموصولِ باعتبار اتِّصافِه بما في حيِّز الصِّلةِ من الكفر والتَّكذيبِ وما فيه من معنى البُعد للإيذانِ ببعد منزلتهم في الشَّرِّ والفساد أي أولئك الموصُوفون بما ذُكر من الكفر والتَّكذيبِ وهو مبتدأٌ وقوله تعالى: { لَهُمْ عَذَابَ } جملةٌ اسميَّةٌ من مــبــتــدأ وخــبــرٍ مــقــدَّمٍ عليه وقعت خبر لأولئك أو لهم خبرٌ لأولئك وعذابٌ مرتفعٌ على الفاعلية بالاستقرارِ في الجارِّ والمجرور لاعتمادِه على المبتدأ وأولئك مع خبرِه على الوجهينِ خبرٌ للموصولِ وتصديرُه بالفاء للدِّلالةِ على أنَّ تعذيب الكفَّارِ بسبب أعمالِهم السَّيئةِ كما أنَّ تجريدَ خبرِ الموصول الأوَّلِ عنها للإيذانِ بأنَّ إثابة المؤمنينَ بطريق التَّفضُّلِ لا لإيجاب الأعمال الصَّالحةِ إيَّاها. وقولُه تعالى: { مُّهِينٌ } صفة لعذابٌ مؤكِّدة لما أفاده التَّنوينُ من الفخامةِ وفيه من المبالغةِ من وجوهٍ شتَّى ما لا يخفى.