التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ
١٠٨
إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ
١٠٩
فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ
١١٠
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ
١١١
قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ
١١٢
-المؤمنون

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا } أي اسكتُوا في النَّارِ سكوتَ هوانٍ وذِلُّوا وانزجرُوا انزجارَ الكلابِ إذا زُجرتْ. من خسأتُ الكلبَ إذا زجرتَه فَخَسِأ أي انزجرَ { وَلاَ تُكَلّمُونِ } أي باستدعاءِ الإخراجِ من النَّار، والرَّجْعِ إلى الدُّنيا وقيل: لا تُكلِّمونِ في رفع العذابِ ويردُّه الَّعليلُ الآتِي وقيل: لا تُكلِّمونِ رأساً وهو آخرُ كلامٍ يتكلَّمونَ به ثم لا كلامَ بعد ذلكَ إلا الشَّهيقُ والزَّفيرُ والعُواءُ كعواءِ الكلبِ لا يَفْهمون ولا يُفهمون ويردُّه الخطاباتُ الآتيةُ قطعاً.

وقوله تعالى: { إِنَّهُ } تعليلٌ لما قبله من الزجرِ عن الدُّعاءِ أي أنَّ الشَّأنَ. وقُرىء بالفتحِ أي لأنَّ الشَّأنَ { كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِى } وهُم المُؤمنون. وقيل: هم الصَّحابةُ. وقيل: أهلُ الصُّفَّةِ رضوان الله تعالى عليهم أجمعينَ { يَقُولُونَ } في الدُّنيا { رَبَّنَا ءامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرحِمِينَ * فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً } أي اسكتُوا عن الدُّعاءِ بقولكم: ربنا الخ، لأنَّكم كنتُم تستهزئُون بالدَّاعينَ بقولهم: ربنا آمنا الخ، وتتشاغلُون باستهزائِهم { حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ } أي الاستهزاءُ بهم { ذِكْرِى } من فرطِ اشتغالِكم باستهزائِهم { وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } وذلك غايةُ الاستهزاءِ.

وقولُه تعالى: { إِنِى جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ } استئنافٌ لبـيانِ حُسنِ حالِهم وأنَّهم انتفعُوا بمَا آذوهم { بِمَا صَبَرُواْ } بسبب صبرِهم على أذيَّتِكم. وقولُه تعالى: { أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } ثاني مفعولَيْ الجزاءِ أي جزيتُهم فوزَهم بمجامعِ مراداتِهم مخصُوصينَ به. وقُرىء بكسرِ الهمزةِ على أنَّه تعليلٌ للجزاءِ وبـيانٌ لكونِه في غايةِ ما يكونُ من الحُسنِ.

{ قَالَ } أي الله عزَّ وجلَّ أو المَلَكُ المأمور بذلك تذكيراً لِما لبثُوا فيما سألُوا الرُّجوعَ إليه من الدُّنيا بعد التَّنبـيهِ على استحالتِه بقولِه: اخسؤُا فيها الخ. وقُرىء قُل، على الأمرِ للمَلَكِ { كَمْ لَبِثْتُمْ فِى ٱلأَرْضِ } التي تدْعُون أنْ ترجِعوا إليها { عَدَدَ سِنِينَ } تميـيزٌ لكَمْ.