التفاسير

< >
عرض

فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
١٩
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ
٢٠
-المؤمنون

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ } أي بذلك الماءِ.

{ جَنَّـٰتٍ مّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَـٰبٍ لَّكُمْ فِيهَا } في الجنَّاتِ { فَوٰكِهُ كَثِيرَةٌ } تتفكَّهون بها { وَمِنْهَا } من الجنَّاتِ { تَأْكُلُونَ } تغذياً أو تُرزقون وتحصِّلُون معايشَكُم من قولهم فلانٌ يأكل من حرفتهِ ويجوز أي يعود الضميرانِ للنَّخيلِ والأعنابِ أي لكم في ثمراتها أنواعٌ من الفواكه الرُّطبِ والعنب والتَّمرِ والزَّبـيبِ والعصير والدِّبسِ وغير ذلك وطعام تأكلونه.

{ وَشَجَرَةً } بالنَّصبِ عطف على جنَّاتٍ. وقُرىء بالرَّفعِ على أنَّه مبتدأٌ خبرُه محذوفٌ دلَّ عليه ما قبله أي وممَّا أُنشىء لكم به شجرةٌ وتخصيصها بالذِّكرِ من بـين سائر الأشجار لاستقلالِها بمنافعَ معروفةٍ قيل هي أوَّلُ شجرةٍ نبتت بعد الطُّوفانِ. وقوله تعالى: { تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء } وهو جبلُ مُوسىٰ عليه السَّلامُ بـين مصرَ وأيلة وقيل بفلسطينَ ويقال له طورُ سينين فإمَّا أنْ يكون الطُّورُ اسم الجبل وسيناءُ اسمَ البُقعةِ أُضيف إليها، أو المركَّب منهم عَلَم له كامرىءِ القَيْس. ومُنع صرفُه على قراءةِ من كسر السِّينَ للتَّعريفِ والعُجمةِ أو التَّأنيثِ على تأويل البُقعةِ لا للألف لأنَّه فِيعالٌ كدِيماسٍ من السَّناءِ بالمدِّ وهو الرِّفعةُ أو بالقصر وهو النُّورُ أو ملحق بفعلال كعلباء من السِّين إذ لا فعلاء بألف التَّأنيثِ بخلاف سيناء فإنه فَيعالٌ ككَيْسانَ أو فَعْلأَ كصَحْراءَ إذ لا فَعلال في كلامِهم وقُرىء بالكسرِ والقصرِ. والجملةُ صفةٌ لشجرةً وتخصيصها بالخروج منه مع خروجِها من سائر البقاعِ أيضاً لتعظيمها ولأنَّه المنشأُ الأصليُّ لها. وقولُه تعالى: { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } صفة أخرى لشجرةً والياء متعلِّقة بمحذوفٍ وقع حالاً منها أي تنبتُ ملتبسةً به. ويجوزُ كونُها صلةً معدية أي تنبتُه بمعنى تتضمَّنه وتحصِّله، فإنَّ النَّباتَ حقيقةً صفةٌ للشَّجرةِ لا للدُّهنِ. وقُرىء تُنبت من الإفعالُ وهو إمَّا من الإنباتِ بمعنى النَّباتِ كما في قولِ زُهيرٍ: [الطويل]

رَأيتُ ذَوي الحاجاتِ حولَ بـيوتهِمقَطيناً لهم حتَّى إذا أنبتَ البقلُ

أو على تقديرِ تُنبت زيتونَها مُلتبِساً بالدُّهنِ. وقُرىء على البناءِ للمفعول وهو كالأوَّلِ وتُثمر بالدُّهنِ وتخرُج بالدُّهنِ وتنبت بالدِّهانِ. { وَصِبْغٍ لّلآكِلِيِنَ } معطوف على الدُّهنِ جارٍ على إعرابه عطف أحد وصفَيْ الشَّيءِ على الآخرِ أي تنبت بالشَّيءِ الجامع بـين كونهِ دُهناً يُدهنُ به ويُسرجُ منه وكونهِ إداماً يُصبغ فيه الخبز أي يُغمس فيه للائتدامِ. وقُرىء وصباغٍ كدباغٍ في دِبْغٍ.