التفاسير

< >
عرض

وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ
٢٩
إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ
٣٠
ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ
٣١
فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
٣٢
-المؤمنون

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَقُل رَّبّ أَنزِلْنِى } في السَّفينةِ أو منها { مُنزَلاً مُّبَارَكاً } أيْ إنزالاً أو موضعَ إنزالٍ يستتبعُ خيراً كثيراً. وقُرىء مَنْزلاً أي موضعَ نزولٍ { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ } أُمر عليه السَّلامُ بأنْ يشفع دعاءه بما يُطابقه من ثنائه عزَّ وجلَّ توسُّلاً به إلى الإجابةِ. وإفرادُه عليه السَّلامُ بالأمر مع شركة الكلِّ في الاستواءِ والنَّجاةِ لإظهار فضله عليه السَّلامُ والإشعارِ بأنَّ في دُعائه وثنائِه مندوحةً عمَّا عداهُ.

{ إِنَّ فِى ذَلِكَ } الذي ذُكر ممَّا فُعل له عليه السَّلامُ وبقومِه { لاَيَاتٍ } جليلةً يستدلُّ بها أُولو الأبصارِ ويعتبر بها ذَوُو الاعتبار { وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } إنْ مخفَّفةٌ من أنَّ واللامُ فارقةٌ بـينها وبـين النَّافيةِ. وضميرُ الشَّأنِ محذوفٌ أي وإنَّ الشَّأنَ كُنَّا مصيبـين قومَ نوحٍ ببلاء عظيم وعقاب شديد أو مختبرين بهذه الآياتِ عبادَنا لننظر مَن يعتبرُ ويتذكَّر، كقولِه تعالى: { { وَلَقَدْ تَّرَكْنَـٰهَا ءايَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [القمر: 15] { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ } أي من إهلاكِهم { قَرْنٍ ءَاخَرِينَ } هم عادٌ حسبما رُوي عن ابن عبِّاسٍ رضي الله عنهما وعليه أكثرُ المُفسِّرين وهو الأوفقُ لما هو المعهودُ في سائرِ السُّورِ الكريمةِ من إيراد قصَّتهم إثرَ قصَّةِ قومِ نوحٍ. وقيل: هم ثمودُ { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ } جُعلُوا موضعاً للإرسال كما في قوله تعالى: { { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِى أُمَّةٍ } [الرعد: 30] ونحوه لا غايةً له كما في مثل قوله تعالى: { { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ } [العنكبوت: 14] للإيذانِ من أوَّلِ الأمر بأنَّ مَن أُرسل إليهم لم يأتِهم من غير مكانِهم بل إنَّما نشأَ فيما بـين أظهرِهم كما ينبىءُ عنه قولُه تعالى: { رَسُولاً مّنْهُمْ } أي من جُملتهم نسباً فإنَّهما عليهما السَّلامُ كانا منهم. وأنْ في قولِه تعالى: { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } مفسِّرةٌ لأرسلنا لتضمُّنِه معنى القولِ أي قُلنا لهم على لسانِ الرَّسولِ: اعبدُوا الله تعالى. وقولُه تعالى: { مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } تعليلٌ للعبادة المأمور بها أو للأمرِ بها أو لوجوب الامتثال به { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أي عذابَه الذي يستدعيه ما أنتُم عليه من الشِّركِ والمعاصي. والكلامُ في العطفِ كالذي مرَّ في قصَّةِ نوحٍ عليه السَّلامُ.