التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ
٣٣
وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ
٣٤
أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ
٣٥
-المؤمنون

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَقَالَ ٱلْمَلأَ مِن قَوْمِهِ } حكايةٌ لقولهم الباطل إثرَ حكاية القول الحقِّ الذي ينطق به حكايةُ إرسال الرَّسولِ بطريق العطفِ على أنَّ المرادَ حكايةُ مطلقِ تكذيبهم له عليه السَّلامُ إجمالاً لا حكايةُ ما جرى بـينه عليه السَّلامُ وبـينهم من المُحاورةِ والمُقاولةِ تفصيلاً حتَّى يُحكى بطريقِ الاستئناف المبنيِّ على السُّؤال كما ينبىءُ عنه ما سيأتي من حكايةِ سائر الأُمم أي وقال الأشرافُ من قومِه { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } في محلِّ الرَّفعِ على أنَّه صفةٌ للملأُ وُصفوا بذلك ذمًّا لهم وتنبـيهاً على غلوِّهم في الكُفرِ. وتأخيرُه عن مِن قومِه لعطفِ قوله تعالى: { وَكَذَّبُواْ بِلِقَاء ٱلآخِرَةِ } وما عُطف عليه على الصِّلةِ الأُولى أي كذَّبُوا بلقاء ما فيها من الحساب والثَّوابِ والعقاب أو بمعادِهم إلى الحياة الثَّانيةِ بالبعث { وَأَتْرَفْنَـٰهُمْ } ونعَّمناهم { فِى ٱلْحَيَاةِ ٱلدُنْيَا } بكثرةِ الأموالِ والأولادِ أي قالوا لأعقابهم مضلِّين لهم: { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } أي في الصِّفاتِ والأحوالِ، وإيثارُ مثلكم على مثلنا للمبالغة في تهوينِ أمرِه عليه السَّلامُ وتوهينِه { يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } تقريرٌ للمماثلة. وما خبريةٌ. والعائدُ إلى الثَّاني منصوبٌ محذوفٌ أو مجرورٌ وقد حُذف مع الجارِّ لدلالةِ ما قبله عليه.

{ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مّثْلَكُمْ } أي فيما ذُكر من الأحوالِ والصِّفات أي إنِ امتثلتُم بأوامرِه { إِنَّكُمْ إِذاً } أي على تقديرِ الاتباع { لَّخَـٰسِرُونَ } عقولَهم ومغبونون في آرائهم حيثُ أذللتُم أنفسَكم أي انظر كيف جعلُوا اتباعَ الرَّسولِ الحقِّ الذي يوصِّلُهم إلى سعادةِ الدَّارينِ خُسراناً دُون عبادةِ الأصنامِ التي لا خُسرانَ وراءها قاتلهم الله أنَّى يُؤفكون. وإذاً واقعٌ بـين اسمِ إنَّ وخبرِها لتأكيد مضمون الشَّرطِ. والجملةُ جوابٌ لقسمٍ محذوفٍ قبل إنِ الشَّرطيةِ المصدَّرةِ باللام الموطئةِ. أي وبالله لئن أطعتمُ بشراً مثلَكم إنَّكم إذاً لخاسرونَ.

{ أَيَعِدُكُمْ } استئنافٌ مسوق لتقرير ما قبله من اتِّباعِه عليه السَّلامُ بإنكار وقوع ما يدعُوهم إلى الإيمان واستبعاده. { أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ } بكسر الميمِ، من ماتَ يَماتُ. وقُرىء بضمِّها من ماتَ يموتُ. { وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظـٰماً } نَخِرةً مجرَّدةً عن اللُّحوم والأعصابِ أي كان بعضُ أجزائِكم من اللَّحم ونظائرِه تُراباً، وبعضُها عظاماً. وتقديمُ التُّراب لعراقتِه في الاستبعادِ وانقلابِه من الأجزاءِ الباديةِ. أو كان متقدِّموكم تُراباً صِرفاً ومتأخِّروكم عظاماً. وقوله تعالى: { إِنَّكُمْ } تأكيد للأوَّلِ لطول الفصلِ بـينه وبـين خبرِه الذي هو قولُه تعالى: { مُّخْرَجُونَ } أي من القبورِ أحياءً كما كنتُم. وقيل: أنَّكم مخرجون مبتدأٌ وإذا مِتُم خبرُه على معنى إخراجُكم إذا متُم ثم أخبر بالجملة على أنَّكم. وقيل: رُفع أنَّكم مخرجون بفعلٍ هو جزاءُ الشَّرطِ كأنَّه قيل: إذا مِتُم وقعَ إخراجُكم ثم أُوقعتْ الجملةُ الشَّرطيةُ خبراً عن أنَّكم. والذي تقتضيهِ جزالةُ النَّظمِ الكريمِ هو الأوَّلُ. وقُرىء أيعدكم إذَا متم الخ.