التفاسير

< >
عرض

عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٩٢
قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ
٩٣
رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٩٤
وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ
٩٥
ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ
٩٦
وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ
٩٧
-المؤمنون

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } بالجرِّ على أنَّه بدلٌ من الجلالة. وقيل: صفةٌ لها. وقُرىء بالرَّفعِ على أنَّه خبرُ مبتدأ محذوفٍ. وأيًّا ما كان فهُو دليلٌ آخرُ على انتفاءِ الشَّريكِ بناءً على توافقهم في تفرُّدِه تعالى بذلك ولذلك رُتِّبَ عليه بالفاءِ قولُه تعالى: { فَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } فإنَّ تفرُّدَه تعالى بذلك موجبٌ لتعاليهِ عن أنْ يكون له شريكٌ.

{ قُل رَّبّ إِمَّا تُرِيَنّى } أي إنْ كان لا بُدَّ مِن أنْ تريني { مَا يُوعَدُونَ } من العذابِ الدُّنيويِّ المستأصلِ، وأمَّا العذابُ الأُخرويُّ فلا يناسبُه المقامُ.

{ رَبّ فَلاَ تَجْعَلْنِى فِى ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي قَريناً لهم فيما هُم فيه من العذابِ. وفيه إيذانٌ بكمالِ فظاعةِ ما وُعدوه من العذابِ وكونِه بحيثُ يجبُ أنْ يستعيذَ منه مَن لا يكادُ يمكنُ أنْ يحيقَ به، ورُدَّ لإنكارِهم إيَّاهُ واستعجالِهم به على طريقة الاستهزاءِ به. وقيل: أُمر به عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هضماً لنفسِه. وقيل: لأنَّ شُؤمَ الكَفَرةِ قد يحيقُ بمن وَرَاءهُم كقولِه تعالى: { { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } [الأنفال: 25] ورُوي أنَّه تعالى أخبرَ نبـيِّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بأنَّ له في أمَّتِه نقمةً ولم يُطلعه على وقتِها فأمرَه بهذا الدُّعاءِ وتكريرِ النِّداءِ. وتصديرُ كلَ من الشَّرطِ والجزاءِ به لإبرازِ كمالِ الضَّراعةِ والابتهالِ.

{ وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ } من العذابِ { لَقَـٰدِرُونَ } ولكنَّا نُؤخِّره لعلمنا بأنَّ بعضَهم أو بعضَ أعقابِهم سيُؤمنون أو لأنَّا لا نُعذبهم وأنتَ فيهم. وقيل: قد أَراهُ ذلكَ وهو ما أصابَهم يومَ بدرٍ أو فتحُ مكَّةَ ولا يَخْفى بُعدُه فإنَّ المُتبادرَ أنْ يكونَ ما يستحقُّونه من العذابِ الموعودِ عذاباً هائلاً مستأصِلاً لا يظهرُ على يديهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ للحكمة الدَّاعيةِ إليه.

{ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ٱلسَّيّئَةَ } وهو الصَّفحُ عنها والإحسانُ في مقابلتِها لكن لا بحيثُ يؤدِّي إلى وَهَن في الدِّينِ. وقيل: هي كلمةُ التَّوحيدِ والسَّيئةُ الشِّركُ. وقيل: هو الأمرُ بالمعروفِ والسَّيئةُ المنكرُ وهو أبلغُ من: ادفعْ بالحسنةِ السَّيئةَ لما فيه من التَّنصيصَ على التَّفضيلِ. وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على المفعول في الموضعينِ للاهتمامِ { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } أي بما يصفونَك به أو بوصفِهم إيَّاك على خلافِ ما أنتَ عليه وفيه وعيدٌ لهم بالجزاءِ والعُقوبة وتسليةٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم وإرشادٌ له عليه السَّلامُ إلى تفويضِ أمرِه إليه تعالى.

{ وَقُلْ رَّبّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّيـٰطِينِ } أي وساوسِهم المُغريةِ على خلاف ما أُمِرتَ به من المحاسنِ التي من جُملتها دفعُ السَّيئةِ بالحسنةِ وأصلُ الهمزِ النَّخسُ، ومنه مهمازُ الرَّائضِ. شُبِّه حثُّهم للنَّاسِ على المعاصي بهمزِ الرَّائضِ الدَّوابَّ على الإسراعِ أو الوثبِ، والجمعُ للمرَّاتِ أو لتنوُّعِ الوساوسِ أو لتعدُّدِ المضافِ إليه.