التفاسير

< >
عرض

وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٣١
-النور

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَقُل لّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ } فلا ينظرن إلى ما لا يحلُّ لهنَّ النَّظرُ إليه { وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } بالتَّسترِ أو التَّصونِ عن الزِّنا. وتقديمُ الغضِّ لأنَّ النَّظرَ بريدُ الزِّنا ورائدُ الفسادِ { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } كالحُليِّ وغيرِها ممَّا يُتزين بهِ وفيهِ من المبالغة في النَّهيِ عن إبداءِ مواضعِها ما لا يخفى { إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } عند مُزاولةِ الأمورِ التي لا بُدَّ منها عادةً كالخاتمِ والكُحلِ والخضابِ ونحوها فإنَّ في سترِها حَرَجاً بـيناً. وقيلَ: المرادُ بالزِّينةِ مواضعُها على حذفِ المضافِ أو ما يعمُّ المحاسنَ الخَلقيةَ والتَّزينيةَ. والمُستثنى هو الوجهُ والكفَّانِ لأنَّها ليستْ بعورةٍ. { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } إرشادٌ إلى كيفيَّة إخفاءِ بعضِ مواضع الزِّينة بعد النَّهي عن إبدائِها. وقد كانتِ النِّساءُ على عادةِ الجاهليةِ يسدُلْن خُمرَهنَّ من خلفهنَّ فتبدُو نحورُهنَّ وقلائدهُنَّ من جيوبِهنَّ لوسعِها فأُمرن بإرسالِ خمرهنَّ إلى جيوبهنَّ ستراً لما يبدُو منها وقد ضُمِّن الضَّربُ معنى الإلقاءِ فعُدِّي بعَلَى. وقُرىء بكسرِ الجيمِ كما تقدَّم { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } كرر النهي لاستثناء بعضِ موادِّ الرُّخصةِ عنه باعتبار النَّاظرِ بعد ما استُثني عنه بعضُ موادِّ الضَّرورةِ باعتبارِ المنظُور { إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ } فإنَّهم المقصودون بالزِّينة ولهم أنْ ينظرُوا إلى جميع بدنهنَّ حتَّى الموضعِ المعهودِ { أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ } لكثرةِ المخالطةِ الضَّروريَّةِ بـينهم وبـينهنَّ وقلة توقع الفتنةِ من قبلهم لما في طباعِ الفريقينِ من النَّفرة عن مماسة القرائبِ ولهم أنْ ينظرُوا منهنَّ ما يبدُو عند المهنةِ والخدمةِ. وعدمُ ذكرِ الأعمامِ والأخوالِ لما أنَّ الأحوطَ أنْ يتسترن عنهم حذاراً من أنْ يصفوهنَّ لأبنائهم { أَوْ نِسَائِهِنَّ } المختصَّات بهن بالصُّحبة والخدمةِ من حرائر المؤمناتِ فإنَّ الكوافرَ لا يتحرجنَّ عن وصفهنَّ للرِّجالِ.

{ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُنَّ } أي من الإماءِ فإنَّ عبدَ المرأةِ بمنزلة الأجنبـيِّ منها. وقيل مِن الإماءِ والعَبـيدِ لما رُوي أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أتى فاطمة رضي الله عنها بعبدٍ وهبه لها وعليها ثوبٌ إذا قنَّعتْ به رأسَها لم يبلغْ رجليها وإذا غطَّت رجليها لم يبلغْ رأسَها فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: "إنَّه ليس عليك بأسٌ إنَّما هو أبوكِ وغلامكِ" { أَوِ ٱلتَّـٰبِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرّجَالِ } أي أولي الحاجةِ إلى النِّساء وهم الشُّيوخُ الهِمّ والممسوحون. وفي المجبوبِ والخَصيِّ خلافٌ، وقيل هُم البُله الذين يتتبعون النَّاس لفضل طعامِهم ولا يعرفون شيئاً من أمور النِّساء. وقُرىء غيرَ بالنَّصبِ على الحاليَّةِ { أَوِ ٱلطّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرٰتِ ٱلنّسَاء } لعدم تميـيزهم. من الظُّهور بمعنى الاطِّلاع أو لعدم بلوغهم حدَّ الشَّهوةِ، من الظُّهور بمعنى الغَلَبة. والطِّفلُ جنسٌ وُضع موضعَ الجمعِ اكتفاءً بدلالةِ الوصفِ. { وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ } أي ما يخفينَه من الرؤيةِ { مِن زِينَتِهِنَّ } أي ولا يضربن بأرجلِهنَّ الأرضَ ليتقعقعَ خلخالهُنَّ فيُعلمَ أنهنَّ ذواتُ الخلخالِ فإنَّ ذلك ممَّا يُورث الرِّجالَ ميلاً إليهنَّ ويُوهم أنَّ لهنَّ ميلاً إيهم. وفي النَّهيِ عن إبداء صوتِ الحُلى بعد النَّهي عن إبداءِ عينها من المبالغةِ في الزَّجرِ عن إبداءِ مواضعها ما لا يخفى { وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً } تلوينٌ للخطابِ وصرفٌ له عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى الكُلِّ بطريق التَّغليبِ لإبراز كمال العنايةِ بما في حيِّزه من أمرِ النوبةِ وأنَّها من معظمات المهمَّاتِ الحقيقيَّةِ بأنْ يكونَ سبحانَهُ وتعالى هو الآمرَ بها لما أنَّه لا يكادُ يخلُو أحدٌ من المكلَّفين عن نوعِ تفريطٍ في إقامة مواجبِ التَّكاليفِ كما ينبغي. وناهيك بقوله عليه السَّلامُ "شيَّبتني سورةُ هودٍ" لما فيها من قولهِ عزَّ وجلَّ { { فَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } [هود: 112] لا سيَّما إذا كانَ المأمورُ به الكفَّ عن الشَّهواتِ. وقيل توبُوا عمَّا كنتُم تفعلونَه في الجاهليَّةِ فإنَّه وإنْ جُبَّ بالإسلامِ لكن يُجبُّ بالندمِ عليه والعزمِ على تركهِ كلَّما خطرَ ببالهِ. وفي تكرير الخطابِ بقوله تعالى: { أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } تأكيدٌ للإيجاب وإيذانٌ بأنَّ وصفَ الإيمانِ موجبٌ للامتثال حتماً. وقُرىء أيّهُ المؤمنون { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } تفوزونَ بذلكَ بسعادةِ الدَّارينِ.