التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
٣٤
-النور

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ءايَـٰتٍ مُّبَيّنَـٰتٍ } كلامٌ مستأنف جيءَ به في تضاعيف ما وردَ من الآيات السَّابقةِ واللاَّحقةِ لبـيان جلالةِ شؤونها المستوجبةِ للإقبال الكليِّ على العمليِّ بمضمونِها وصُدِّر بالقسم الذي تُعرب عنه اللاَّمُ لإبراز كمالِ العنايةِ بشأنهِ أي وباللَّهِ لقد أنزلنا إليكم في هذه السورةِ الكريمة آياتٍ مبـيِّناتٍ لكلِّ ما بكم حاجةٌ إلى بـيانه من الحدود وسائرِ الأحكام والآدابِ وغير ذلك ممَّا هو من مَبادي بـيانِها على أنَّ إسنادَ التبـيـينِ إليها مجازيٌّ. أو آياتٍ واضحاتٍ تصدِّقها الكتبُ القديمةُ والعقولُ السَّليمةُ على أنَّ مبـيِّنات من بـيَّن بمعنى تبـيَّن ومنه المثلُ

قد بَـيَّن الصّبحُ لذي عينينِ

وقُرىء على صيغةِ المفعولِ أي التي بُـيِّنتْ وأوضحتْ في هذه السورةِ من معاني الأحكامِ والحدودِ وقد جُوِّز أن يكونَ الأصلُ مبـيَّناً فيها الأحكامُ فاتّسع في الظَّرف بإجرائه مُجرى المفعولِ { وَمَثَلاً مّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ } عطفٌ على آياتٍ أي وأنزلنا مثلاً كائناً من قبـيل أمثالِ الذين مضوا من قبلِكم من القصصِ العجيبةِ والأمثالِ المضروبة لهم في الكتب السَّابقةِ والكلماتِ الجاريةِ على ألسنة الأنبـياءِ عليهم السَّلامُ فينتظمُ قصَّة عائشة رضي الله عنها المحاكية لقصَّةِ يوسفَ عليه السَّلامُ وقصَّةِ مريمَ رضي الله عنها وسائرِ الأمثالِ الواردةِ في السُّورةِ الكريمةِ انتظاماً واضحاً. وتخصيصُ الآياتِ المبـيِّناتِ بالسوابقِ وحملُ المثلِ على القصَّة العجيبةِ فَقَط يأباهُ تعيبُ الكلامِ بما سيأتِي من التمثيلاتِ { وَمَوْعِظَةً } تتَّعظِون به وتنزجِرُون عمَّا لا ينبغي من المحرَّمات والمكروهاتِ وسائرِ ما يخلُّ بمحاسنِ الآدابِ فهي عبارةٌ عمَّا سبقَ من الآيات والمثل لظهورِ كونها من المواعظ بالمعنى المذكور. ومدارُ العطف هو التَّغايرُ العنوانيُّ المنزَّلُ منزلة التَّغايرِ الذَّاتيِّ وقد خُصَّت الآياتُ بما يبـيِّنُ الحدودَ والأحكامَ والموعظةَ بما وُعظ به من قولهِ تعالى: { { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ ٱللَّهِ } [النور: 2] وقوله تعالى: { { لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } [النور: 12] وغيرِ ذلك من الآياتِ الواردةِ في شأنِ الآدابِ وإنَّما قيل { لّلْمُتَّقِينَ } مع شمولِ الموعظةِ للكلِّ حسب شمول الإنزال لقوله تعالى: { أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ } حثًّا للمُخاطَبـين على الاعتناء بالانتظام في سلك المتَّقين ببـيان أنَّهم المغتنمون لآثارها المُقتبسون من أنوارها فحسب. وقيل المرادُ بالآيات المبـيناتِ والمثلِ والموعظةِ جميعُ ما في القُرآنِ المجيدِ من الآياتِ والأمثالِ والمواعظِ.