التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
٥٤
-النور

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } كرَّر الأمرَ بالقول لإبراز كمالِ العنايةِ به والإشعارِ باختلافهما من حيثُ أنَّ المقولَ في الأوَّلِ نهيٌ بطريق الردِّ والتَّقريعِ كما في قولِه تعالى: { { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ } [المؤمنون: 108] وفي الثَّاني أمرٌ بطريقِ التَّكليفِ والتَّشريعِ، وإطلاقُ الطَّاعة المأمورِ بها عن وصفِ الصحَّةِ والإخلاصِ ونحوهما بعد وصف طاعتهم بما ذُكر للتَّنبـيه على أنَّها ليستْ من الطَّاعةِ في شيءٍ أصلاً. وقوله تعالى: { فَإِن تَوَلَّوْاْ } خطابٌ للمأمورين بالطَّاعةِ من جهتِه تعالى واردٌ لتأكيد الأمر بها والمبالغةِ في إيجاب الامتثال به والحملِ عليه بالتَّرهيب والتَّرغيبِ لما أنَّ تغيـيرَ الكلامِ المسوقِ لمعنى من المعاني وصرفِه عن سَننِه المسلوكِ ينبىءُ عن اهتمامٍ جديدٍ بشأنه من المتكلِّم ويستجلبُ مزيدَ رغبةٍ فيه من السَّامعِ كما أُشير إليه في تفسيرِ قولِه تعالى: { { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } [الكهف: 109] لا سيَّما إذا كان ذلك بتغيـير الخطابِ بالواسطةِ إلى الخطابِ بالذَّاتِ فإنَّ في خطابِه تعالى إيَّاهم بالذَّات بعد أمرِه تعالى إيَّاهم بوساطتِه عليه السَّلامُ وتصدِّيه لبـيان حُكمِ الامتثالِ بالأمر والتولِّي عنه إجمالاً وتفصيلاً من إفادةِ ما ذُكر من التَّأكيدِ والمُبالغةِ ما لا غايةَ وراءَهُ وتَوهُّم أنَّه داخل تحت القولِ المأمور بحكايتِه من جهته تعالى وأنَّه أبلغُ في التَّبكيتِ تعكيسٌ للأمرِ والفاء لترتيبِ ما بعدها على تبليغِه عليه السَّلامُ للمأمور به إليهم، وعدمُ التَّصريحِ به للإيذانِ بغاية ظهورِ مسارعتِه عليه السَّلامُ إلى تبليغ ما أُمرَ به وعدم الحاجةِ إلى الذِّكرِ أي إنْ تتولَّوا عن الطَّاعةِ إثرَ ما أُمرتم بهَا { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ } أي فاعلمُوا أنَّما عليه عليه السَّلام { مَا حُمّلَ } أي أُمر به من التَّبليغِ وقد شاهدتمُوه عند قوله: أطيعوا الله والرسول { وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ } أي ما أُمرتم به من الطَّاعة، ولعلَّ التَّعبـيرَ عنه بالتَّحميل للإشعارِ بثقله وكونِه مُؤنةً باقيةً في عهدتِهم بعدُ، كأنَّه قيل: وحيثُ توليتُم عن ذلك فقد بقيتم تحت ذلك الحملِ الثَّقيلِ. وقولُه تعالى: { مَا حُمّلَ } محمولٌ على المُشاكلة { وَإِن تُطِيعُوهُ } أي فيما أَمركم به من الطَّاعةِ { تَهْتَدُواْ } إلى الحقِّ الذي هو المقصدُ الأصليُّ المُوصلُ إلى كلِّ خيرٍ والمُنجِّي من كلِّ شرَ، وتأخيرُه عن بـيانِ حكم التَّولِّي لما في تقديم التَّرهيبِ من تأكيد التَّرغيبِ وتقريبه ممَّا هو من بابه من الوعد الكريمِ. وقولُه تعالى: { وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } اعتراضٌ مقرِّرٌ لما قبله من أنَّ غائلةَ التولِّي وفائدة الإطاعةِ مقصورتانِ عليهم واللامُ إمَّا للجنسِ المُنتظمِ له عليه السَّلامُ انتظاماً أوليًّا أو للعهد أي ما على جنس الرَّسولِ كائناً مَن كان أو ما عليه عليه السَّلامُ إلاَّ التَّبليغُ الموضِّحُ لكلِّ ما يَحتاج إلى الإيضاحِ، أو الواضحُ على أنَّ المُبـينَ مِن أبانَ بمعنى بانَ وقد علمتُم أنَّه قد فعله بما لا مزيدَ عليه وإنما بقيَ ما حُمِّلتم.