التفاسير

< >
عرض

تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً
١٠
بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً
١١
-الفرقان

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ تَبَارَكَ ٱلَّذِى } أي تكاثرَ وتزايدَ خيرُ الذي { إِن شَاء جَعَلَ لَكَ } في الدُّنيا عاجلاً شيئاً { خَيْرًا } لك { مّن ذٰلِكَ } الذي اقترحُوه مِن أنْ يكون لك جنَّةٌ تأكل منها بأنْ يجعلَ لك مثل ما وعدك في الآخرةِ. وقولُه تعالى: { جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } بدلٌ من خَيراً ومحقق لخيريتِّةِ مَّما قالُوا لأنَّ ذلك كان مُطلقاً عن قيدِ التَّعددِ وجريان الأنهارِ { وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } عطفٌ على محلِّ الجزاء الذي هو جعلَ وقُرىء بالرَّفعِ عطفاً على نفسِه لأنَّ الشرَّطَ إذا كان ماضياً جاز في جزائِه الرَّفعُ والجزمُ كما في قولِ القائل: [البسيط]

وَإِنْ أَتَاهُ خَليلٌ يَوْمَ مَسْأَلةيقُولُ لا غَائبٌ مالِي ولا حرِمُ

ويجوزُ أنْ يكون استئنافاً بوعدِ ما يكون له في الآخرةِ. وقُرىء بالنَّصبِ على أنَّه جوابٌ بالواوِ. وتعليقُ ذلك بمشيئتِه تعالى للإيذانِ بأنَّ عدمَ جعلها بمشيئته المبنيَّةِ على الحِكَمِ والمصالحِ، وعدمُ التعَّرضِ لجواب الاقتراحينِ الأوَّلينِ للتنبـيه على خروجِهما عن دائرة العقل واسغنائِهما عن الجواب لظهورِ بُطلانِهما ومنافاتِهما للحكمة التَّشريعيَّةِ وإنَّما الذي له وجهٌ في الجملة هو الاقتراحُ الأخيرُ فإنَّه غير منافٍ للحكمة بالكلِّيةِ فإنَّ بعضَ الأنبـياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ قد أُوتوا في الدُّنيا مع النُّبوةِ مُلكاً عظيماً { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ } إضرابٌ عن توبـيخهم بحكايةِ جنايتهم السَّابقةِ وانتقالٌ منه إلى توبـيخِهم بحكاية جنايايتِهم الأخرى للتَّخلُّص إلى بـيان ما لهم في الآخرة بسببها من فُنون العذابِ بقوله تعالى: { وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } الخ أي أعتدنا لهم ناراً عظيمةً شديدةَ الاشتعالِ شأنُها كيتَ وكيتَ بسبب تكذيبهم بها على ما يُشعر به وضعُ الموصولِ موضعَ ضميرِهم أو لكلِّ مَن كذَّب بها كائناً من كان وهم داخلون في زُمرتهم دخولاً أوليَّا. ووضعُ السَّاعة موضعَ ضميرهِا للمبالغةِ في التَّشنيع ومدارُ اعتياد السَّعيرِ لهم وإنْ لم يكن مجرَّد تكذيبهم بالسَّاعةِ بل مع تكذيبهم بسائر ما جاء به الشَّريفة لكن السَّاعةَ لمَّا كانتْ هي العلَّةَ القريبة لدخولِهم السَّعيرَ أُشير إلى سببـيَّةِ تكذيبها لدخولِها. وقيل: هو عطفٌ على وقالُوا ما لهذا الخ على معنى بل أتوا بأعجبَ من ذلك حيثُ كذَّبوا بالسَّاعةِ وأنكروها والحالُ أنَّا قد أعتدنا لكلِّ مَن كذَّب بها سعيراً فإنَّ جراءتَهم على التَّكذيب بها وعدمَ خوفِهم مَّما أُعدَّ لمن كذَّب بها من أنواعِ العذابِ أعجبُ من القولِ السَّابقِ وقيل: هو مُتَّصل بما قبلَه من الجوابِ المبنيِّ على التَّحقيقِ المنبىء عن الوعدِ بالجنَّاتِ في الآخرةِ مسوق لبـيان أنَّ ذلك لا يجُدي نفعاً ولا يحلى بطائل على طريقةِ قولِ مَن قال:

عُوجُوا لنُعمٍ فَحَيُّوا دِمنَةَ الدَّارمَاذَا تُحيُّون مِنْ نُؤيٍ وأحجارِ

والمعنى أنَّهم لا يُؤمنون بالسَّاعةِ فكيفَ يقتنعُون بهذا الجوابِ وكيف يُصدِّقون بتعجيل مثلِ ما وعدك في الآخرةِ وقيل: المعنى بل كذَّبوا بها فقصُرت أنظارُهم على الحظوظِ الدُّنيوَّيةِ وظنُّوا أنَّ الكرامة ليستْ إلا بالمالِ وجعلُوا فقرك ذريعةً إلى تكذيبك.