التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً
١٥
لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً
١٦
-الفرقان

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قُلْ } تقريعاً لهم وتهكُّماً بهم وتحسيراً على ما فاتَهم { أَذٰلِكَ } إشارةٌ إلى ما ذُكر من السَّعير باعتبار اتَّصافها بما فُصِّل من الأحوال الهائلة، وما فيه من معنى البُعد للإشعار بكونها في الغاية القاصيةِ من الهول والفظاعةِ أي قُل لهم أذلك الذي ذُكر من السَّعير التي أعتدت لمن كذَّب بالسَّاعة وشأنُها كيتَ وكيتَ وشأنُ أهلِها ذيتَ وذيتَ { خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ ٱلَّتِى وَعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } أي وُعدها المتَّقون. وإضافةُ الجَّنةِ إلى الخُلد للمدحِ وقيل: للتَّميـيز عن جنَّاتِ الدُّنيا. والمرادُ بالمتَّقين المتَّصفون بمطلق التقَّوى لا بالمرتبة الثَّانيةِ أو الثَّالثةِ منها فَقَطْ { كَانَتْ } تلك الجَّنةُ { لَهُمْ } في علم الله تعالى أو في اللَّوح المحفوظِ أو لأنَّ ما وعده الله تعالى فهو كائنٌ لا محالةَ فحُكي تحقُّقه ووقوعُه { جَزَاء } على أعمالِهم حسبما مرَّ من الوعد الكريم { وَمَصِيراً } ينقلبون إليه.

{ لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءونَ } أي ما يشاءونه من فنُون الملاذِّ والمُشتَهيات وأنواع النَّعيمِ كما في قولِه تعالى: { { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ } [فصلت: 31] ولعلَّ كلَّ فريقٍ منهم يقتنعُ بما أُتيح له من درجات النَّعيم ولا تمتدُّ أعناقُ هممِهم إلى ما فوق ذلك من المراتبِ العاليةِ فلا يلزم الحرمانُ ولا تساوي مراتبِ أهلِ الجنانِ { خَـٰلِدِينَ } حالٌ من الضَّمير المستكِّنِ في الجارِّ والمجرورِ لاعتماده على المبتدأ وقيل: من فاعل يشاءون { كَانَ } أي ما يشاؤنه وقيل: الوعدُ المدلولُ عليه بقوله تعالى وُعد المتقَّون { عَلَىٰ رَبّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً } أي موعُوداً حقيقيَّا بأنْ يُسألَ ويُطلبَ لكونِه مَّما يتنافسُ فيه المُتنافسون أو مسؤولاً لا يسألُه النَّاسُ في دُعائهم بقولِهم ربنا وآتنا ما وعدتنا على رُسلك أو الملائكة بقولهم ربنا وأدخلهم جنَّاتِ عدن التي وعدتهم، وما في على من معنى الوجوبِ لامتناع الخُلفِ في وعدِه تعالى ولا يلزم منه الإلجاءُ إلى الإنجازِ فإنَّ تعلَّق الإرادة بالموعودِ متقدِّمٌ على الوعدِ الموجبِ للإنجاز، وفي التَّعرضِ لعُنوان الرُّبوبِّـيةِ مع الإضافة إلى ضميره عليه الصَّلاة والسَّلام من تشريفه والإشعارِ بأنه عليه الصَّلاة والسَّلام هو الفائزُ آثر ذي أثيرٍ بمغانم الوعدِ الكريمِ ما لا يَخفْى.