التفاسير

< >
عرض

وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَـاةً وَلاَ نُشُوراً
٣
-الفرقان

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً } بعدما بـيَّن حقيقةَ الحقِّ في مطلع السُّورةِ الكريمة بذكر تنزيله تعالى للفُرقان العظيم على رسولِه صلى الله عليه وسلم ووصفِه تعالى بصفاتِ الكمال وتنزيهه عمَّا لا يليقُ بشأنه الجليل عقَّب ذلك بحكايةِ أباطيلِ المُشركين في حقِّ المنزِّل سبحانَهُ والمنزَّلِ والمُنزَلِ عليه على التَّرتيب وإظهارِ بُطلانها. والإضمارُ من غير جريان ذكرِهم للثقة بدلالة ما قبله من نفيِ الشَّريكِ عليهم أي اتَّخذوا لأنفسِهم ـ متجاوزين الله تعالى الذي ذُكر بعضُ شؤونِه الجليلةِ من اختصاصِ مُلكِ السَّمواتِ والأرضِ به تعالى وانتفاءِ الولد والشَّريكِ عنه وخلقِ جميعِ الأشياء وتقديرِها أبدعَ تقديرٍ ـ آلهة { لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا } أي لا يقدرون على خلق شيءٍ من الأشياءِ أصلاً { وَهُمْ يُخْلَقُونَ } كسائر المخلوقاتِ وقيل: لا يقدرُون على أنْ يختلقُوا شيئاً وهم يُختلقون حيث تختلقهم عبدتُهم بالنَّحت والتَّصويرِ. وقولُه تعالى: { وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } لبـيان ما لم يدلَّ عليه ما قبله من مراتبِ عجزِهم وضعفِهم فإنَّ بعضَ المخلوقين العاجزينَ عن الخلقِ رُبَّما يملك دفعَ الضُّرِّ وجلبَ النَّفعِ في الجملة كالحيوان وهؤلاءِ لا يقدرونَ على التَّصرفِ في ضُرَ ما ليدفعُوه عن أنفسِهم ولا في نفعٍ ما حتَّى يجلبوه إليهم فكيف يملكون شَيئاً منهما لغيرِهم. وتقديمُ ذكرِ الضُّرِّ لأنَّ دفعَه مع كونِه أهمَّ في نفسه أوَّلُ مراتبِ النَّفعِ وأقدمُها. والتَّنصيصُ على قولِه تعالى: { وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةًَ وَلاَ نُشُوراً } أي لا يقدرون على التَّصرفِ في شيءٍ منها بإماتةِ الأحياءِ وإحياءِ المَوْتى وبعثِهم بعد بـيانِ عجزِهم عمَّا هو أهونُ من هذه الأمور من دفع الضُّرِّ وجلب النَّفعِ للتَّصريحِ بعجزهم عن كلَّ واحدٍ ممَّا ذُكر على التَّفصيلِ والتَّنبـيهِ على أنَّ الإلٰهَ يجبُ أنْ يكونَ قادراً على جميعِ ذلك. وفيه إيذانٌ بغايةِ جهلهِهم وسَخافةِ عقولِهم كأنَّهم غيرُ عارفين بانتفاء ما نُفي عن آلهتِهم من الأمورِ المذكُورةِ مفترقون إلى التَّصريح بذلك.