التفاسير

< >
عرض

وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً
٣٧
وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً
٣٨
-الفرقان

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَقَوْمَ نُوحٍ } منصوبٌ بمضمرٍ يدلُّ عليه قوله تعالى: فدمَّرناهم أي ودمَّرنا قومَ نوحٍ وقيل عطف على مفعول فدمَّرناهم وليس من ضرورة ترتُّبِ تدميرهم على ما قبله ترتُّبُ تدميرِ هؤلاء عليه لا سيَّما وقد بُـيِّن سببُه بقوله تعالى: { لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ } أي نوحاً ومن قبله من الرُّسل أو نوحاً وحدَهُ لأنَّ تكذيَبُه تكذيبٌ للكُلِّ لاتِّفاقِهم على التَّوحيدِ والإسلامِ وقيل هو منصوبٌ بمضمر يفسِّره قوله تعالى: { أَغْرَقْنَـٰهُمْ } وإنَّما يتسنَّى ذلك على تقديرِ كونِ كلمة لَّماً ظرفَ زمانٍ وأمَّا على تقدير كونِها حرفَ وجودٍ لوجودٍ فلا لأنَّه حينئذٍ جواب لما لا يفسَّر ما قبله مع أنَّه مخلٌّ بعطف المنصوبات الآتية على قوم نوح لما أنَّ إهلاكَهم ليس بالإغراق فالوجهُ ما تقدَّم وقوله تعالى: أغرقناهم استئنافٌ مبـيِّن لكيفيَّةِ تدميرِهم.

{ وَجَعَلْنَـٰهُمْ } أي جعلنا إغراقَهم أو قصَّتهم { لِلنَّاسِ ءايَةً } أيْ آيةً عظيمةً يعتبرُ بها كلُّ مَن شاهدها أو سمعها وهي مفعول ثانٍ لجعلنا وللنَّاس ظرفٌ لغوٌ له أو متعلِّق بمحذوف وقع حالاً من آيةً إذ لو تأخَّر عنها لكان صفةً لها { وَأَعْتَدْنَا لِلظَّـٰلِمِينَ } أي لهم، والإظهارُ في موقع الإضمارِ للإيذانِ بتجاوزهم الحدَّ في الكفر والتَّكذيبِ { عَذَاباً أَلِيماً } هو عذاب الآخرة إذْ لا فائدة في الإخبار باعتاد العذابِ الذي قد أُخبر بوقوعه من قبلُ أو لجميع الظَّالمينَ الباقينَ الذين لم يعتبرُوا بمَا جَرى عليهم من العذاب فيدخل في زُمرتهم قُريشٌ دخولاً أوليَّاً ويحتملُ العذابَ الدُّنيويَّ والأُخرويَّ { وَعَاداً } عطفٌ على قوم نوح وقيل: على المفعول الأول لجعلناهم وقيل: على محلِّ الظَّالمينَ إذ هو في معنى وعدنا الظالمين وكلاهما بعيدٌ { وَثَمُودُ } الكلامُ فيه وفيما بعدَه كما فيما قبلَه. وقُرىء وثموداً على تأويل الحيِّ أو على أنَّه اسمُ الأبِ الأقصى { وَأَصْحَـٰبُ ٱلرَّسّ } هم قومٌ يعبدون الأصنامَ فبعثَ الله تعالى إليهم شُعيباً عليه السَّلامُ فكذَّبُوه فبـينما هم حَولَ الرَّسِّ وهي البِئرُ التي لم تُطْوَ بعد إذِ انهارتُ فخُسف بهم وبديارِهم. وقيل: الرَّسُّ قرية بفَلْجِ اليمامةِ كان فيها بقايا ثمودَ فبَعث إليهم نبـيٌّ فقتلوه فهلكوا. وقيل: هو الأُخدودُ. وقيل: بئرٌ بأنطاكيَّةَ قتلوا فيها حبـيباً النَّجارَ. وقيل: هم أصحابُ حنظلةَ بنِ صفوانَ النبـيِّ عليه السَّلامُ ابتلاهم الله تعالى بطيرٍ عظيمٍ كان فيها من كلِّ لون وسمَّوها عنقاءَ لطولِ عُنقِها وكانت تسكنُ جبلَهم الذي يقالُ له فتخ أو دمح فتنقضُّ على صبـيانِهم فتخطفُهم إنْ أعوزها الصَّيدُ ولذلك سُمِّيتْ مُغْرِبا فدعا عليها حنظلةُ عليه السَّلامُ فأصابتْها الصَّاعقةُ ثم إنَّهم قتلُوه عليه السَّلامُ فأُهلكوا. وقيل: قومٌ كذَّبُوا رسولَهم فرسُّوه أي دسُّوه في بئرٍ.

{ وَقُرُوناً } أي أهلَ قرونٍ. قيل: القرنُ أربعونَ سنةً وقيل: سبعونَ وقيل: مائةٌ وقيل: مائةٌ وعشرون { بَيْنَ ذٰلِكَ } أي بـين ذلك المذكورِ من الطَّوائفِ والأُمم وقد يذكرُ الذَّاكرُ أشياءَ مختلفةً ثمَّ يشيرُ إليها بذلك ويحسبُ الحاسبُ أعداداً مُتكاثرةً ثمَّ يقولُ فذلك كيتَ وكيتَ على ذلك المذكورِ وذلك المحسوبِ. { كَثِيراً } لا يعلم مقدارَها إلاَّ العليمُ الخبـيرُ. ولعلَّ الاكتفاءَ في شؤون تلك القرُونِ بهذا البـيان الإجماليِّ لما أنَّ كلَّ قرنٍ منها لم يكن في الشُّهرةِ وغرَابةِ القصَّةِ بمثابة الأُممِ المذكِورةِ.