التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً
٦٢
وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً
٦٣
وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً
٦٤
وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً
٦٥
-الفرقان

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } أي ذَوَي خلفةٍ يخلفُ كلٌّ منهما الآخرَ بأنْ يقومَ مقامَه فيما ينبغي أنْ يَعملَ فيه أو بأنْ يَعتِقبا كقولِه تعالى: { { وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [سورة البقرة: الآية 164, وسورة آل عمران: الآية 190] وهي اسمٌ للحالةِ من خلفَ كالرِّكبةِ والجِلسةِ من رَكِبَ وجَلَس. { لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ } أي يتذكَّر آلاءَ الله عزَّ وجلَّ ويتفكَّر في بدائعِ صُنَعهِ فيعلم أنَّه لا بُدَّ لها من صانعٍ حكيمٍ واجبِ الذَّاتِ رحيمٍ للعبادِ { أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } أي أنْ يشكَر الله تعالى على ما فيهما من النِّعمِ أو ليكونا وقتينٍ للذَّاكرينَ مَن فاتَهُ وِرْدُه في أحدِهما تدارَكه في الآخرةِ. وقُرىء أنْ يذكُرَ من ذَكَر بمعنى تذكَّر.

{ وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } كلامٌ مستأنف مسوقٌ لبـيانِ أوصافِ خلَّصِ عبادِ الرَّحمنِ وأحوالِهم الدَّنيويةِ والأخُروَّيةِ بعد بـيان حال النَّافرين عن عبادتِه والسُّجودِ له. والإضافةُ للتَّشريفِ وهو مبتدأٌ خبرُه ما بعدَهُ من الموصولِ وما عُطف عليه، وقيلَ: هو ما في آخرِ السُّورةِ الكريمةِ من الجُملةِ المصدَّرةِ باسمِ الإشارةِ. وقُرىء عبادُ الرَّحمنِ أي عبادُه المقبُولونَ { ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } أي بسكينةٍ وتواضعٍ. وهَوْناً مصدرٌ وُصف به. ونصبُه إمَّا على أنَّه حال من فاعلِ يمشُون أو على أنَّه نعتٌ لمصدرِه أي يمشُون هيِّنين ليِّنيِ الجانبِ من غيرِ فظاظةٍ أو مشياً هيِّنا. وقولُه تعالى: { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـٰهِلُونَ } أي السُّفهاءُ كما في قولِ من قال: [الوافر]

أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَينافَنَجْهَل فوقَ جهلِ الجَاهِلِيْنا

{ قَالُواْ سَلاَماً } بـيانٌ لحالِهم في المُعاملة مع غيرِهم إثرَ بـيانِ حالِهم في أنفسِهم أي إذا خاطبُوهم بالسُّوءِ قالوا تسليماً منكمُ ومتاركةً لا خيرَ بـيننا وبـينَكمُ ولا شرَّ. وقيل: سَداداً من القولِ يسلمُون به من الأذيَّةِ والإثمِ، وليسَ فيه تعرُّضٌ لمعاملتِهم مع الكَفَرةِ حتَّى يُقالَ نسختها آيةُ القتالِ كما نُقل عن أبـي العاليةِ.

وقولُه تعالى { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّداً وَقِيَـٰماً } بـيانٌ لحالِهم في معاملتِهم مع ربِّهم أي يكونون ساجدين لربِّهم وقائمين أي يُحيون اللَّيلَ كُلاًّ أو بعضاً بالصَّلاةِ. وقيل: من قرأ شيئاً من القُرآنِ في صلاةٍ وإنْ قلَّ فقد باتَ ساجداً وقائماً. وقيل هُما الرَّكعتانِ بعد المغربِ والرَّكعتانِ بعد العشاءِ. وتقديمُ السُّجودِ على القيامِ لرعايةِ الفواصلِ.

{ وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ } أي في أعقابِ صلواتِهم أو في عامَّةِ أوقاتِهم { رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } أي شراً دائماً وهلاكاً لازماً وفيه مزيدُ مدحٍ لهم ببـيان أنَّهم مع حُسن معاملتِهم مع الخلقِ واجتهادِهم في عبادةِ الحقِّ يخافُون العذابَ ويبتهلون إلى الله تعالى في صرفِه عنهم غيرَ محتفلين بأعمالِهم كقوله تعالى: { { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبّهِمْ رٰجِعُونَ } [سورة المؤمنون: الآية 60].