التفاسير

< >
عرض

يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً
٦٩
إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٧٠
وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً
٧١
وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً
٧٢
-الفرقان

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ } بدلٌ من يلقَ لاتِّحادِهما في المعنى كقوله: [الطويل]

متى تأتِنا تُلممْ بنا في ديارِناتجدْ حَطَباً جَزْلاً وناراً تأجَّجاً

وقُرىء بالرَّفع على الاستئنافِ أو على الحالَّيةِ وكذا ما عُطف عليه وقرىء يُضعَّف ونُضعِّف له العذابَ بالنُّون ونصبِ العذابِ { وَيَخْلُدْ فِيهِ } أي في ذلكَ العذابِ المضاعفِ { مُهَاناً } ذليلاً مستحقراً جامعاً للعذاب الجُسمانيِّ والرُّوحانيِّ وقرىء يُخلَد ويُخلَّد مبنياً للمفعول من الإخلاد والتَّخليدِ. وقُرىء تخلُد بالتاء على الالتفات المنبىءِ عن شدَّة الغضبِ ومضاعفةِ العذابِ لانضمامِ المعاصي إلى الكفر كما يفصح عنه قولُه تعالى { إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـٰلِحاً } وذكر الموصوفِ مع جريانِ الصَّالحِ والصَّالحاتِ مَجرى الاسم للاعتناء به والتنَّصيص على مغايرتهِ للأعمال السَّابقةِ { فَأُوْلَـئِكَ } إشارةٌ إلى الموصولِ والجمعُ باعتبارِ معناه كما أنَّ الإفرادَ في الأفعالِ الثَّلاثة باعتبار لفظةِ أي أولئك الموصُوفون بالتَّوبةِ والإيمانِ والعملِ الصَّالحِ { يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ } بأنْ يمحوَ سوابقَ معاصِيهم بالتَّوبةِ ويثبت مكانَها لواحقَ طاعتِهم أو يبدلَ بملكة المعصيةِ ودواعيها في التَّفسِ ملكةَ الطَّاعةِ بأنْ يُزيلَ الأُولى ويأتيَ بالثَّانيةِ وقيل: بأنْ يُوفقَه لأضدادِ ما سلفَ منه أو بأنْ يُثبت له بدَل كلِّ عقابٍ ثواباً وقيل: يبدلهم بالشِّركِ إيماناً وبقتل المسلمينَ قتلَ المشركين وبالزِّنا عفَّةً وإحصاناً { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } اعتراضٌ تذيـيلىٌّ مقررٌ لما قبله من المحوِ والإثبات.

{ وَمَن تَابَ } أي عن المعاصي بتركها بالكليَّة والنَّدمِ عليها { وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً } يتلافىٰ به ما فَرَطَ منه أو خرج عن المعاصي ودخل في الطَّاعات { فَإِنَّهُ } بما فعلَ { يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ } أي يرجعُ إليه تعالى: { مَتاباً } أي متاباً عظيمَ الشَّأنِ مرضيّاً عنده تعالى ماحياً للعقاب محصِّلاً للثَّوابِ أو يتوب متاباً إلى الله تعالى الذي يحبُّ التَّوابـينَ ويحسن إليهم أو فإنَّه يرجعُ إليه تعالى أو إلى ثوابه مرجعاً حسناً وهذا تعميمٌ بعد تخصيصِ.

{ وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } لا يُقيمون الشَّهادةَ الكاذبةَ أو لا يحضُرون محاضرَ الكذبِ فإنَّ مشاهدةَ الباطل مشاركةٌ فيه { وَإِذَا مَرُّواْ } على طريقِ الاتفاقِ { بِٱلَّلغْوِ } أي ما يجبُ أنْ يُلغى ويُطرحَ مَّما لا خيرَ فيه { مَرُّواْ كِراماً } معرضين عنه مكرِمين أنفسَهم عن الوقوف عليه والخوض فيه ومن ذلك الإغضاءُ عن الفواحش والصَّفحُ عن الذُّنوب والكنايةُ عمَّا يُستهجنُ التَّصريحُ به.