التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٨٨
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٨٩
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ
١٩٠
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ
١٩١
وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٩٢
-الشعراء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قَالَ رَبّى أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } من الكُفر والمعاصي وبما تستحقُّون بسببه من العذابِ فسينزله عليكم في وقته المقدَّرِ له لا محالة.

{ فَكَذَّبُوهُ } أي فتمُّوا على تكذيبه وأصرُّوا عليه { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ } حسبما اقترحُوا. أمَّا إن أرادُوا بالسَّماءِ السَّحابُ فظاهرٌ وأما إنْ أرادُوا الظلة فلأنَّ نزولَ العذابِ من جهتها، وفي إضافة العذابِ إلى يومِ الظُّلَةِ دون نفسها إيذانٌ بأنَّ لهم يومئذٍ عذاباً آخرَ غيرَ عذاب الظُّلة وذلك بأنْ سلَّط الله عليهم الحرَّ سبعةَ أيام ولياليَها فأخذَ بأنفُسِهم لا ينفعهم طلٌّ ولا ماءٌ ولا سَرَبٌ فاضطرُّوا إلى أنْ خرجُوا إلى البريَّةِ فأظلتُهم سحابةٌ وجدوا لها بَرْداً و نَسيماً فاجتمعُوا تحتها فأمطرتْ عليهم ناراً فاحترقُوا جميعاً. رُوي أنَّ شُعيباً عليه السَّلامُ بُعث إلى أمَّتينِ أصحابِ مَدْينَ وأصحابِ الأَيكةِ فأُهلكتْ مَدْينُ بالصَّيحةِ والرَّجفةِ وأصحابُ الأيكةِ بعذابِ يوم الظُّلَّةِ { إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } أي في الشِّدَّةِ والهَوْلِ وفظاعةِ ما وقع فيه من الطَّامةِ والدَّاهيةِ التَّامةِ.

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } هذا آخرُ القِصصِ السَّبعِ التي أُوحيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لصرفِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عن الحرصِ على إسلام قومِه وقطعِ رجائه عنه ودفع تحسُّره على فواتِه تحقيقاً لمضمونِ ما مرَّ في مطلع السُّورةِ الكريمةِ من قوله تعالى: { { وَمَا يَأْتِيهِم مّن ذِكْرٍ مّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُواْ } [سورة الشعراء: الآية 5 و 6. وتمامها: { .. فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ] الآيةَ فإنَّ كلَّ واحدةٍ من هذه القصص ذكرٌ مستقلُّ متجدِّد النُّزولِ قد أتاهم من جهتِه تعالى بموجب رحمتِه الواسعة وما كان أكثرُهم مؤمنين بعد ما سمعُوها على التَّفصيلِ قصَّةً بعد قصَّةٍ لا بأنْ يتدَّبروا فيها ويعتبروا بما في كلِّ واحدة منها من الدَّواعي إلى الإيمان والزَّواجرِ عن الكفر والطُّغيان ولا بأنْ يتأمَّلوا في شأن الآياتِ الكريمةِ النَّاطقة بتلك القصص على ما هي عليه مع علمِهم بأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لم يسمعْ شيئاً منها من أحدٍ أصلاً واستمرُّوا على ما كانُوا عليه من الكفرِ والضَّلالِ كأنْ لم يسمعوا شيئاً يزجرهم عن ذلكَ قطعاً كما حُقِّقَ في خاتمة قصَّةِ موسى عليه السلام.

{ وَأَنَّهُ } أي ما ذُكر من الآيات الكريمة النَّاطقةِ بالقصص المحكيَّة أو القُرآن التي هي مِن جُملته { لَتَنزِيلُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي منزَّل من جهتِه تعالى سمِّي به مبالغةً ووصفه تعالى بربوبـيَّةِ العالمين للإيذانِ بأنَّ تنزيلَه من أحكامِ تربـيتهِ تعالى ورأفتِه للكُلِّ كقوله تعالى: { { وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ } [سورة الأنبياء: الآية 107].