التفاسير

< >
عرض

قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٢٣
قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ
٢٤
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ
٢٥
قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ
٢٦
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ
٢٧
قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ
٢٨
-الشعراء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قَالَ فِرْعَوْنُ } لمَّا سمعَ منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ تلك المقالةَ المتينةَ وشاهد تصلُّبهَ في أمرِه وعدمَ تأثُّرِه بما قدَّمه من الإبراقِ والإرعاد شرعَ في الاعتراض على دعواهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فبدأ بالاستفسارِ عن المُرْسِل فقال: { وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } حكايةٌ لما وقع في عبارته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أيْ أيُّ شيءٍ رب العالمينَ الذي أدَّعيتَ أنَّك رسولُه منكراً لأنْ يكون للعالمين ربٌّ سواه حسبما يُعرب عنه قولُه: { { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأعْلَىٰ } [سورة النازعات: الآية 24] وقوله: { { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى } وينطق به وعيدُه عند تمام أجوبتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ { قَالَ } موسى عليه السَّلامُ مُجيباً له { رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } بتعيـين ما أراد بالعالمين وتفصيله لزيادةِ التَّحقيقِ والتَّقريرِ وحسم مادَّةِ تزويرِ اللَّعينِ وتشكيكهِ بحملِ العالمينَ على ما تحت مملكتِه { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } أي إنْ كنتُم موقنين بالأشياءِ محقِّقين لها علمتُم ذلك، أو إنْ كنتُم موقنين بشيءٍ من الأشياءِ فهذا أولى بالإيقانِ لظهورِه وإنارةِ دليله.

{ قَالَ } أي فرعونُ عند سماع جوابِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ خوفاً من تأثيرِه في قلوبِ قومِه وإذعانِهم له { لِمَنْ حَوْلَهُ } من أشراف قومه قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: خمُسمائة عليهم الأساورُ وكانت للملوك خاصَّةً { أَلاَ تَسْتَمِعُونَ }مرائياً لهمَّ أنَّ ما سمعُوه من جوابِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مع كونِه ممَّا لا يليقُ بأنْ يتُعجَّب منه كأنَّه قال ألا تستمعُون ما يقولُه فاستمعُوه وتعجَّبوا منه حيثُ يدَّعي خلافَ أمرٍ محقَّقٍ لا اشتباه فيه يُريد به ربوبـيةَ نفسِه.

{ قَالَ } عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ تصريحاً بما كان مُندرجاً تحت جوابـيِه السَّابقينِ { رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءابَائِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } وحطّاً له من ادِّعاءِ الرُّبوبـيَّةِ إلى مرتبةِ المربُوبَّـيةِ.

{ قَالَ } أي فرعونُ لمَّا واجهه مُوسى عليه السَّلامُ بما ذُكر غاظه ذلك وخافَ من تأثُّر قومِه منه فأراهُم أنَّ ما قاله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ممَّا لا يصدرُ عن العُقلاء صدَّاً لهمُ عن قبولِه فقال مؤكِّداً لمقالتِه الشَّنعاءِ بحرفَيْ التَّأكيدِ: { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } ليفتنهم بذلَك ويصرفهم عن قبولِ الحقِّ وسَّماهُ رسولاً بطريقِ الاستهزاءِ وأضافه إلى مُخاطبـيه ترفُّعاً من أنْ يكونَ مُرْسَلاً إلى نفسِه.

{ قَالَ } عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ { رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا } قاله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ تكميلاً لجوابه الأوَّلِ وتفسيراً له وتنبـيهاً على جهلِهم وعدمِ فهمِهم لمعنى مقالتِه فإنَّ بـيانَ ربوبـيَّتهِ تعالى للسَّموات والأرضِ وما بـينَهما وإنْ كان متضمِّناً لبـيانِ ربوبـيَّتِه تعالى للخافقينِ وما بـينَهُما لكن لمَّا لم يكُن فيه تصريحٌ بإستناد حركات السَّمواتِ وما فيها وتغيُّراتِ أحوالِها وأوضاعِها وكون الأرض تارةً مظلمةً وأخرى منورةً إلى الله تعالى أرشدَهُم إلى طريقِ معرفةِ ربوبـيته تعالى لمَّا ذكر فإن ذكر المشرقِ والمغربِ منبىءٌ عن شروقِ الشَّمسِ وغروبِها المنُوطينَ بحركاتِ السَّمواتِ وما فيها على نمطٍ بديعٍ يترتَّب عليه هذه الأضاعُ الرَّصينةُ، وكلُّ ذلك أمورٌ حادثةٌ مفتقرةٌ إلى محدثٍ قادرٍ عليمٍ حكيمٍ لا كذواتِ السَّمواتِ والأرضِ التي يتوهَّم جهلةُ المُتوهمينَ باستمرارِها استغناءها عن الموحِّدِ المُتصرِّفِ { إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } أي إنْ كنتُم تعقلون شيئاً من الأشياءِ أو إنْ كنتُم من أهلِ العقلِ علمتُم أنَّ الأمرَ كما قُلته، وفيه إيذانٌ بغايةِ وضوحِ الأمرِ بحيثُ لا يشتبه على مَن له عقلٌ في الجُملةِ، وتلويحٌ بأنَّهم بمعزلٍ من دائرةِ العقلِ وأنَّهم المتَّصفون بما رَمَوه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ به من الجنونِ.