التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ
٣٦
ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ
٣٧
-النمل

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقوله تعالى:

{ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ } أي الرَّسولُ { قَالَ } أي مخاطباً للرَّسولِ والمُرْسِلِ، تغليباً للحاضرِ على الغائبِ، وقيل: للرَّسولِ ومن مَعه ويؤيدُه أنَّه قُرىء فلمَّا جاءُوا والأولُ أَولى لما فيِه من تشديدِ الإنكارِ والتَّوبـيخِ وتعميمهُما لبلقيسَ وقومِها ويؤيدُه الإفرادُ في قولِه تعالى ارجعْ إليهم: { أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } وهو إنكارٌ لإمدادِهم إيَّاه عليه الصَّلاة والسَّلام بالمالِ مع عُلوِّ شأنِه وسعَةِ سُلطانِه، وتوبـيخٌ لهم بذلكَ، وتنكيرُ مالٍ للتحقيرِ. وقولُه تعالى: { فَمَا ءاتَـٰنِى ٱللَّهُ } أيْ ممَّا رأيتُم آثارَه منَ النُّبوةِ والمُلكِ الذي لا غايةَ وراءَهُ { خَيْرٌ مّمَّا ءاتَـٰكُمْ } أي منَ المالِ الذي مِنْ جُملتِه ما جئتُم به فلا حاجةَ لي إلى هديَّتِكم ولا وقعَ لها عندي تعليلاً للإنكارِ، ولعلَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إنَّما قال لهم هذه المقالةَ إلى آخرِها بعد ما جَرى بـينَهُ وبـينهم ما حكي من قصة الحُقِّ وغيرها كما أشير إليه لا أنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ خاطبَهم بها أولَ ما جاءوه كما يُفهم من ظاهرِ قولِه تعالى فلمَّا جاءَ الخ وقُرىء أتُمدُّونِّي بالإدغامِ وبنونٍ واحدةٍ وبنونين وحذفِ الياءِ. وقولُه تعالى: { بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } إضرابٌ عمَّا ذكر من إنكارِ الإمدادِ بالمالِ إلى التَّوبـيخِ بفرحِهم بهديتهم التي أهدَوها إليه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فرحَ افتخارٍ وامتنانٍ واعتدادٍ بها كما ينبىء عنه ما ذُكر من حديثِ الحقِّ والجَزَعةِ وتغيـيرِ زيِّ الغِلمانِ والجواري وغيرِ ذلك. وفائدةُ الإضرابِ التَّنبـيهُ على أنَّ إمدادَهُ عليه الصَّلاة والسَّلام بالمالِ منكرٌ قبـيجٌ، وعدُّ ذلكَ - مع أنَّه لا قدرَ له عنده عليه الصَّلاةُ والسَّلام - مما يتنافسُ فيه المتنافسون أقبحُ والتَّوبـيخُ به أدخلُ. وقيلَ المضافُ إليهِ المُهدى إليهِ والمعنى بل أنتمُ بما يُهدىٰ إليكم تفرحونَ حُبَّاً لزيادةِ المالِ لما أنَّكم لا تعلمون إلا ظاهراً من الحياةِ الدُّنيا.

{ اْرجِعِ } أفردَ الضميرَ هَهُنا بعد جمعِ الضمائر الخمسةِ فيما سبقَ لاختصاصِ الرجوعِ بالرَّسولِ، وعموم الإمدادِ ونحوِه للكلِّ أي ارجعْ أَيُّها الرَّسُولُ { إِلَيْهِمُ } أي إلى بلقيسَ وقومِها { فَلَنَأْتِيَنَّهُم } أي فوالله لنأتينَّهم { بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } أي لا طاقةَ لَهمُ بمقاومتِها ولا قدرةَ لهم على مقابلتِها. وقُرىء بهم { وَلَنُخْرِجَنَّهُم } عطفٌ على جوابِ القسمِ { مِنْهَا } من سبأٍ { أَذِلَّةٍ } أي حالَ كونِهم أذلةً بعد ما كانُوا فيه من العزِّ والتمكينِ. وفي جمعِ القِلَّةِ تأكيدٌ لذِلَّتِهم. وقولُه تعالى: { وَهُمْ صَـٰغِرُونَ } أي أُسارَى مُهَانون، حالٌ أخرى مفيدةٌ لكونِ إخراجِهم بطريقِ الأسرِ لا بطريقِ الإجلاءِ. وعدمُ وقوعِ جوابِ القسمِ لأنَّه كانَ معلَّقاً بشرطٍ قد حُذفَ عندَ الحكايةِ ثقةً بدلالةِ الحالِ عليه كأنَّه قيلَ ارجعْ إليهم فليأتُوا مسلمينَ وإلا فلنأتينَّهم الخ.