التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ
٤٧
وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ
٤٨
قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
٤٩
-النمل

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا } أصلُه تطَّيرنَا والتَّطيرُ التشاؤمُ عُبِّر عنه بذلك لما أنَّهم كانُوا إذا خرجُوا مسافرينَ فيمرّون بطائرٍ يزجرونَه فإنْ مرَّ سانحاً تيمَّنوا وإنْ مرَّ بارحاً تشاءمُوا فلما نسبُوا الخيرَ والشرَّ إلى الطائرِ استُعير لما كانَ سبباً لهما من قدرِ الله تعالى وقسمتِه أو من عمل العبدِ أي تشاءمنا. { بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } في دينِك حيثُ تتابعت علينا الشدائدُ وقد كانُوا قحطوا أو لم نزل في اختلافٍ وافتراقٍ مُذ اخترعتُم دينَكُم { قَالَ طَائِرُكُمْ } أي سببُكم الذي منْهُ ينالُكم ما ينالُكم من الشرِّ { عَندَ ٱللَّهِ } وهو قدرُه أو عملُكم المكتوبُ عندَهُ. وقولُه تعالى: { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } أي تُختبرون بتعاقبِ السرَّاءِ والضرَّاءِ أو تعذَّبون أو يفتنكُم الشيطانُ بوسوستِه إليكم الطيرةَ إضرابٌ من بـيانِ طائرِهم الذي هو مبدأُ ما يحيقُ بهم إلى ذكِر ما هو الدَّاعي إليهِ.

{ وَكَانَ فِى ٱلْمَدِينَةِ } وهي الحِجْرُ { تِسْعَةُ رَهْطٍ } أي أشخاصٍ وبهذا الاعتبارِ وقعَ تميـيزاً للتسعةِ لا باعتبارِ لفظِه. والفرقُ بـينه وبـينَ النَّفرِ أنَّه من الثلاثةِ أو من السبعةِ إلى العشرةِ والنَّفرُ من الثلاثةِ إلى التسعةِ وأسماؤهم حسبَما نُقل عن وهبٍ: الهذيلُ بنُ عبدِ ربَ وغُنم بنُ غنمٍ ورئابُ بنُ مهرجٍ ومصدعُ بنُ مهرجٍ وعميرُ بنُ كردبةَ وعاصمُ بنُ مخرمةَ وسبـيطُ بنُ صدقةَ وشمعانُ بنُ صفي وقُدارُ بن سالف وهم الذين سَعَوا في عَقْرِ النَّاقةِ وكانُوا عتاةَ قومِ صالحٍ، وكانُوا من أبناءِ أشرافِهم. { يُفْسِدُونَ فِى ٱلأَرْضِ } لا في المدينةِ فقط إفساداً بحتاً لا يُخالطُه شيءٌ ما من الإصلاحِ كما ينطقُ به قولُه تعالى: { وَلاَ يُصْلِحُونَ } أي لا يفعلونَ شيئاً من الإصلاحِ أو لا يصلحون شيئاً من الأشياءِ.

{ قَالُواْ } استئنافٌ ببـيانِ بعضِ ما فعلُوا من الفسادِ أي قالَ بعضُهم لبعضٍ في أثناءِ المُشاورةِ في أمرِ صالحٍ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وكانَ ذلَك غِبَّ ما أنذرَهُمْ بالعذاب وقولِه تمتعُوا في دارِكم ثلاثةَ أيامٍ الخ { تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ } إمَّا أمرٌ مقولٌ لقالُوا أو ماضٍ وقعَ بدلاً منه أو حالاً من فاعلهِ بإضمارِ قد. وقولُه تعالى: { لَنُبَيّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ } أي لنباغتنَّ صالحاً وأهلَه ليلاً ونقتلنَّهم. وقُرىء بالتَّاءِ على خطابِ بعضِهم لبعضٍ. وقُرىء بـياءِ الغَيبةِ وضمِّ التَّاءِ على أنَّ تقاسمُوا فعلٌ ماضٍ { ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيّهِ } أي لوليِّ صالحٍ. وقُرىء بالتَّاءِ والياءِ كما قبلَه. { مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ } أي ما حضرنَا هلاكَهم أو مكانَ هلاكِهم فضلاً أنْ نتولَّى إهلاكَهم. وقُرِىءَ مهلَك بفتحِ اللامِ فيكونَ مصدراً { وِإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ } من تمامِ القولِ أو حالٌ أي نقولُ ما نقولُ والحالُ إنَّا لصادقونَ في ذلكَ لأنَّ الشاهدَ للشيءِ غيرُ المباشرِ له عُرفاً أو لأنَّا ما شاهدنا مهلكَهم وحدَه بل مهلِكه ومهلكَهم جميعاً كقولِك ما رأيتُ ثمةَ رجلاً بل رجلين.