التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ
٥٥
إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ
٥٦
وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٥٧
-القصص

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ } من اللاغينَ { أَعْرَضُواْ عَنْهُ } عن اللَّغو تكرماً كقولِه تعالى: { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً } [سورة الفرقان: الآية 72] { وَقَالُواْ } لهم { لَنَا أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ } بطريقِ المُتاركةِ والتَّوديعِ { لاَ نَبْتَغِى ٱلْجَـٰهِلِينَ } لا نطلبُ صحبتَهم ولا نريدُ مخالطتَهم.

{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي } هدايةً موصِّلةً إلى البُغيةِ لا محالةَ { مَنْ أَحْبَبْتَ } من النَّاسِ ولا تقدرُ على أنْ تدخلَه في الإسلامِ وإنْ بذلت فيه غايةَ المجهودِ وجاوزتَ في السعيِ كلَّ حدَ معهودٍ { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء } أنْ يهديَه فيدخلَه في الإسلامِ { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } بالمستعدِّينَ لذلك، والجمهورُ على أنَّها نزلتْ في أبـي طالبٍ فإنَّه لما احتُضر جاءه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقالَ له: "يا عمِّ قُل لا إلٰه إلا الله كلمةً أحاجُّ بها لك عندَ الله" . قال له: يا ابنَ أخِي قد علمتُ إنَّك لصادقٌ ولكنِّي أكرَه أنْ يقال خرعَ عند الموتِ ولولا أنْ يكونَ عليك وعلى بني أبـيكَ غضاضةٌ بعدي لقُلتها ولأقررتُ بها عينَك عندَ الفراقِ لما أَرَى من شدَّة وَجْدِك ونصيحتِك ولكنِّي سوفَ أموتُ على ملَّةِ الأشياخِ عبدِ المطَّلبِ وهاشمٍ وعبدِ منافٍ { وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا } نزلتْ في الحارث بنِ عثمانَ بنِ نوفلِ بنِ عبدِ منافٍ حيثُ أتَى النبـيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام فقال: نحنُ نعلم أنَّك على الحقِّ ولكنَّا نخافُ إنِ اتَّبعناك وخالفنَا العربَ وإنما نحنُ أكلةُ رأسٍ أنْ يتخطَّفونا من أرضِنا فردَّ عليهم بقولِه تعالى:{ أو لم نمكن لهم حرما آمناً } أي ألم نعصمْهم ولم نجعلْ مكانَهم حرماً ذا أمنٍ لحرمةِ البـيتِ الحرامِ الذي تتناحرُ العربُ حولَه وهم آمنونَ { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ } وقُرىء تُجبى أي يُجمع ويُحمل إليه { ثَمَرَاتُ كُلّ شَيْء } من كلِّ أوبٍ. والجملةُ صفةٌ أخرى لحَرماً دافعةٌ لمَا عَسَى يُتوهَّم من تضررِهم بانقطاعِ الميرةِ { رّزْقاً مّن لَّدُنَّا } فإذا كان حالُهم ما ذُكر وهم عبدةُ أصنامٍ فكيف يخافونَ التخطفَ إذا ضمُّوا إلى حُرمةِ البـيتِ حُرمةَ التَّوحيدِ { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي جهلةٌ لا يتفطَّنون له ولا يتفكَّرون ليعلمُوا ذلك وقيل: هو متعلقٌ بقولِه تعالى: { مّن لَّدُنَّـا } أي قليلٌ منهم يتدبَّرون فيعلمونَ أنَّ ذلك رزقٌ من عندِ الله تعالى إذ لو علمُوا لما خافُوا غيرَه، وانتصابُ رزقاً على أنَّه مصدرٌ مؤكدٌ لمعنى تُجبى أو حالٌ من ثمراتُ على أنَّه بمعنى مرزوقٍ لتخصصها بالإضافةِ ثم بـيَّن أنَّ الأمرَ بالعكسِ وأنَّهم أحقَّاءُ بأنْ يخافوا بأسَ الله تعالى بقوله: