التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٤٢
وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ
٤٣
خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ
٤٤
ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
٤٥
-العنكبوت

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَىْء } على إضمارِ القولِ أي قُل للكَفَرةِ إنَّ الله الخ وما استفهامَّيةٌ منصوبةٌ بـيدعونَ معلقةٌ ليعلم ومِن للتَّبـيـينِ أو نافيةٌ، ومِنْ مزيدةٌ وشيءٍ مفعولُ يدعون أو مصدريةٌ وشيءٍ عبارةٌ عن المصدرِ أو موصولةٌ مفعولٌ ليعلمُ ومفعولُ يدعون عائدُه المحذوفُ. وقُرىء تَدعُون بالتَّاءِ والكلامُ على الأولين تجهيلٌ لهم وتأكيدٌ وعلى الآخرينَ وعيدٌ لهم { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } تعليلٌ على المعنيـينِ فإنَّ إشراكَ ما لا يُعدُّ شيئاً بمن هَذا شأنُه من فرطِ الغباوةِ وأنَّ الجمادَ بالنسبةِ إلى القادرِ القاهرِ على كلِّ شيءٍ البالغِ في العلم وإتقانِ الفعلِ الغايةَ القاصيةَ كالمعدومِ البحت وأنَّ منَ هذه صفاتُه قادرٌ على مجازاتِهم. { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَـٰلُ } أي هذا المثلُ وأمثاله { نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } تقريباً لما بعُد من أفهامِهم { وَمَا يَعْقِلُهَا } على ما هي عليه من الحُسنِ واستتباع الفوائدِ { إِلاَّ ٱلْعَـٰلِمُونَ } الرَّاسخون في العلمِ المتدبِّرون في الأشياءِ على ما ينبغِي وعنه عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ أنَّه تَلاَ هذه فقال: "العالمُ من عقلَ عنِ الله تعالى وعمِل بطاعتِه واجتنبَ سَخَطَه" { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقّ } أي مُحقَّاً مُراعياً للحكمِ والمَصَالح على أنَّه حالٌ من فاعلِ خلقَ أو ملتبسةً بالحقِّ الذي لا محيدَ عنه مستتبعةً للمنافعِ الدِّينيةِ والدُّنيويةِ على أنَّه حالٌ من مفعولِه فإنَّها مع اشتمالِها على جميعِ ما يتعلَّقُ به معاشُهم شواهدُ دالَّةٌ على شؤونِه تعالى المتعلقةِ بذاتِه وصفاتِه كما يُفصحُ عنه قولُه تعالى: { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } دالَّة لهم ما ذُكر من شؤونِه سبحانه وتخصيصُ المؤمنينَ بالذكر مع عمومِ الهدايةِ والإرشادِ في خلقهِما للكلِّ لأنَّهم المُنتفعون بذلكَ.

{ ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ } تقرُّباً إلى الله تعالى بقراءتِه وتذكُّراً لما في تضاعيفهِ من المعاني وتذكيراً للنَّاس وحملاً لهم على العملِ بما فيه من الأحكامِ ومحاسنِ الآدابِ ومكارمِ الأخلاقِ { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ } أي داوِمْ على إقامتِها وحيثُ كانتِ الصَّلاةُ منتظمةً للصَّلواتِ المكتوبةِ المؤدَّاةِ بالجماعةِ وكان أمرُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بإقامتِها متضمناً لأمرِ الأمَّة بها علِّل بقوله تعالى: { إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ والْمُنكَر } كأنّه قيل: وصلِّ بهم إنّ الصَّلاة تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، ومعنى نهيها عنهُما أنَّها سببٌ للانتهاءِ عنُهما لأنَّها مناجاةٌ لله تعالى فلا بدَّ أنْ تكونَ مع إقبالٍ تامَ على طاعتِه وإعراضِ كليَ عن معاصيِه قال ابنُ مسعودٍ وابنُ عبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما: «في الصَّلاةِ مُنتهى ومُزدجرٌ عن مَعَاصي الله تعالى فمَن لم تأمْره صلاتُه بالمعروفِ ولم تنهَه عن المنكرِ لم يزددْ بصلاتِه من الله تعالى إلا بُعداً» وقال الحسنُ: وقَتادةُ من لم تنهَه صلاتُه عن الفحشاءِ والمنكر فصلاتُه وبالٌ عليه. ورَوَى أنسٌ رضيَ الله عنه "إنَّ فتى من الأنصارِ كانَ يصلِّي مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ لا يدع شيئاً من الفواحِش إلا ركبَهُ فوُصفَ له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حاله فقال: إنَّ صلاتَه ستنهاهُ فلم يلبثْ أن تابَ وحسُنَ حالُه" . { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [سورة الجمعة: الآية 9] أي وللصَّلاةُ أكبرُ من سائرِ الطَّاعاتِ وإنَّما عبرَّ عنها بهِ كما في قوله تعالى: { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } للإيذان ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ِ بأنَّ ما فيها من ذكرِ الله تعالى هو العمدةُ في كونِها مفضَّلةً على الحسناتِ ناهيةً عن السيئاتِ وقيل ولذكرُ الله تعالى عندَ الفحشاءِ والمُنكر وذكرُ نهيهِ عنهُما ووعيدِه عليهما أكبرُ في الزَّجرِ عنهما وقيل: ولذكرُ الله إيَّاكم برحمتِه أكبرُ من ذكِركم إيَّاه بطاعتِه. { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } منه ومن سائرِ الطَّاعات فيحازيكم بها أحسنَ المُجازاةِ.