التفاسير

< >
عرض

وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ
٤٨
بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلظَّالِمُونَ
٤٩
وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥٠
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٥١
-العنكبوت

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ } أي ما كنتَ قبل إنزالِنا إليك الكتابَ تقدرُ على أنْ تتلوَ شيئاً من كتابٍ { وَلاَ تَخُطُّهُ } أي ولا تقدرُ على أنْ تخطَّه { بِيَمِينِكَ } حسبَما هُو المعتادُ أو ما كانت عادَتُك أنْ تتلوَه ولا أنْ تخطَّه { إِذاً لاَّرْتَـٰبَ ٱلْمُبْطِلُونَ } أي لو كنتَ ممَّن يقدرُ على التِّلاوةِ والخطِّ أو ممَّن يعتادُهما لارتابُوا وقالُوا: لعلَّه التقطَه من كتبِ الأوائلِ، وحيثُ لم تكن كذلكَ لم يبقَ في شأنِك منشأُ ريبٍ أصلاً، وتسميتُهم مُبطلينَ في ارتيابِهم على التَّقديرِ المفروضِ لكونِهم مُبطلينَ في اتِّباعِهم للاحتمالِ المذكورِ مع ظهورِ نزاهتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عن ذلكَ { بَلْ هُوَ } أي القرآنُ { آيَاتٌ بَيّنَاتٌ } واضحاتٌ ثابتةٌ راسِخةٌ { فِى صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } من غيرِ أنْ يُلتقطَ من كتابٍ يحفظونَهُ بحيثُ لا يقدرُ أحدٌ على تحريفِه { وَمَا يَجْحَدُ بِـئَايَـٰتِنَا } مع كونِها كما ذُكر { إِلاَّ ٱلظَّـٰلِمُونَ } المُتجاوزونَ للحدودِ في الشرِّ والمكابرةِ والفسادِ { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَـٰتٌ مّن رَّبّهِ } مثلُ ناقةِ صالحٍ وعَصَا مُوسى ومائدةُ عيسَى عليهم السَّلامُ. وقُرىء آيةٌ { قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَـٰتُ عِندَ ٱللَّهِ } يُنزِّلها حسبَما يشاءُ من غيرِ دخلٍ لأحدٍ في ذلكَ قطعاً { وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } ليسَ من شأنِي إلا الإنذارُ بما أُوتيتُ من الآياتِ { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ } كلامٌ مستأنفٌ واردٌ من جهتِه تعالى ردّاً على اقتراحِهم وبـياناً لبُطلانِه والهمزةُ للإنكارِ والنَّفيِ والواوُ للعطفِ على مقدَّرٍ يقتضيهِ المقامُ أي أقصُر ولم يكفِهم آيةٌ مغنيةٌ عن سائرِ الآياتِ { أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } الناطقَ بالحقِّ المصدِّقَ لما بـين يديهِ من الكتبِ السَّماويَّةِ وأنتَ بمعزلٍ عن مدارستِها وممارستِها { يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } في كلِّ زمانٍ ومكانٍ فلا يزالُ معهم آيةٌ ثابتةٌ لا تزولُ ولا تضمحلُّ كما تزولُ كلُّ آيةٍ بعدَ كونِها وتكونُ في مكانٍ دُونَ مكانٍ أو يُتلى على اليَّهودِ بتحقيقِ ما في أيديهم من نعتِك ونعتِ دينِكَ { إِنَّ فِى ذَلِكَ } الكتابِ العظيمِ الشَّأنِ الباقِي على مرِّ الدُّهورِ { لَرَحْمَةً } أي نعمةً عظيمةً { وَذِكْرَىٰ } أي تذكرةً { لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي لقوم همُّهم الإيمانُ لا التعنُّتُ كأولئك المُقترحينَ، وقيل: " إنَّ ناساً من المؤمنينَ أَتَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بكتبٍ فيها بعضُ ما يقولُه اليَّهودُ فقال: كَفَى بها ضلالةَ قومٍ أنْ يرغبُوا عمَّا جاءَ به نبـيُّهم إلى ما جاءَ به غيرُ نبـيِّهم" فنزلتْ