التفاسير

< >
عرض

يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ
١١٤
وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ
١١٥
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } صفةٌ أخرى لأُمةٌ مبـينةٌ لمُباينتهم اليهودَ من جهة أخرى أي يؤمنون بهما على الوجه الذي نطقَ به الشرعُ، والإطلاقُ للإيذان بالغِنىٰ عن التقيـيد، لظهور أنه الذي يُطلق عليه الإيمانُ بهما فلا يذهبُ الوهمُ إلى غيره، وللتعريض بأن إيمانَ اليهودِ بهما مع قولهم: عزيرٌ ابنُ الله وكفرِهم ببعض الكتبِ والرسلِ ووصفِهم اليومَ الآخِرَ بخلاف صفتِه ليس من الإيمان بهما في شيء أصلاً ولو قُيد بما ذُكر فربما تُوُهِّم أن المنتفيَ عنهم هو القيدُ المذكورُ مع جواز إطلاقِ الإيمانِ على إيمانهم بالأصل وهيهات.

{ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } صفتان أُخْرَيان لأُمةٌ أُجرِيتا عليهم تحقيقاً لمخالفتهم اليهودَ في الفضائل المتعلقةِ بتكميل الغيرِ إثرَ بـيانِ مُباينتِهم لهم في الخصائص المتعلقةِ بتكميل النفسِ، وتعريضاً بمداهنتهم في الاحتساب بل بتعكيسهم في الأمر بإضلال الناسِ وصدِّهم عن سبـيل الله فإنه أمرٌ بالمنكر ونهيٌ عن المعروف { وَيُسَـٰرِعُونَ فِي ٱلْخَيْرٰتِ } صفةٌ أخرى لأمةٌ جامعةٌ لفنون المحاسنِ المتعلقةِ بالنفس وبالغير، والمسارعةُ في الخير فرطُ الرغبةِ فيه لأن من رغِب في الأمر سارع في تولّيه والقيامِ به وآثر الفَورَ على التراخي أي يبادرون مع كمال الرغبةِ في فعل أصنافِ الخيراتِ اللازمةِ والمتعدية، وفيه تعريضٌ بتباطؤ اليهودِ فيها بل مبادرتهم إلى الشرور، وإيثارُ كلمةِ { فِي } على ما وقع في قوله تعالى: { { وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ } [آل عمران، الآية 133] الخ للإيذان بأنهم مستقِرّون في أصل الخيرِ متقلّبون في فنونه المترتبةِ في طبقات الفضلِ لا أنهم خارجون عنها منتهون إليها { وَأُوْلـئِكَ } إشارةٌ إلى الأمة باعتبار اتصافِهم بما فُصّل من النعوت الجليلةِ، وما فيه من معنى البُعد للإيذان بعلوّ درجتِهم وسموّ طبقتِهم في الفضل، وإيثارُه على الضمير للإشعار بعلة الحُكم والمدح أي أولئك المنعوتون بتلك الصفاتِ الفاضلة بسبب اتصافِهم بها { مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } أي من جملة من صلَحَت أحوالُهم عند الله عز وجل واستحقوا رضاه وثناءَه { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } كائناً ما كان مما ذُكر أو لم يُذكر { فَلَنْ يُكْفَروهُ } أي لن يعدَموا ثوابَه اْلبتةَ، عبّر عنه بذلك كما عبر عن تَوْفية الثوابِ بالشكر إظهاراً لكمال تنزّهِه سبحانه وتعالى عن ترك إثابتِهم بتصويره بصورة ما يستحيل صدورُه عنه تعالى من القبائح، وتعديتُه إلى مفعولين بتضمين معنى الحرمانِ، وإيثارُ صيغةِ البناءِ للمفعول للجري على سنن الكبرياء وقرىء الفعلانِ على صيغة الخطاب.

{ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } تذيـيلٌ مقرِّرٌ ما قبله، فإن علمَه تعالى بأحوالهم يستدعي تَوْفيةَ أجورِهم لا محالة، والمرادُ بالمتقين إما الأمةُ المعهودةُ، وضع موضِعَ الضميرِ العائدِ إليهم مدحاً لهم وتعيـيناً لعُنوان تعلّقِ العلمِ بهم وإشعاراً بمناط إثابتِهم هو التقوى المنطويةُ على الخصائص السالفةِ وإما جنسُ المتقين عموماً وهم مندرجون تحت حُكمِه اندراجاً أولياً.