التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
١٢٣
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ
١٢٤
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ } جملةٌ مستأنفةٌ سيقت لإيجاب الصبرِ والتقوى بتذكير ما ترتب عليهما من النصر إثرَ تذكيرِ ما ترتب على عدمهما من الضرر، وقيل: لإيجاب التوكلِ على الله تعالى بتذكير ما يوجبه، وبدرٌ اسمُ ماءٍ بـين مكةَ والمدينة، كان رجل اسمُه بدرُ بنُ كِلْدةَ فسُمِّيَ باسمِه، وقيل: سمِّي به لصفائه كالبدر واستدارتِه، وقيل: هو اسمُ الموضِعِ أو الوادي وكانت وقعةُ بدرٍ في السابعَ عشرَ من شهر رمضانَ سنةَ اثنتين من الهجرة { وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ } حالٌ من مفعول نصركم وأذلةٌ جمعُ ذليلٍ وإنما جُمع جَمْعُ قِلةً للإيذان باتصافهم حينئذ بوصفي القِلة والذِلة إذ كانوا ثلثَمائةٍ وبضعةَ عشرَ وكان ضعفُ حالِهم في الغاية خرجوا على النواضِح يعتقِبُ النفرُ منهم على البعير الواحدِ ولم يكن في العسكر إلا فرسٌ واحدٌ، وقيل: فرَسانِ للمقداد ومرْثَد وتسعون بعيراً وستُّ أدرعٍ وثمانيةُ سيوفٍ وكان العدو زهاءَ ألفٍ ومعهم مائةُ فرسٍ وشكة وشوْكة { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } اقتصر على الأمر بالتقوى مع كونه مشفوعاً بالصبر فيما سبق وما لحِق للإشعار بأصالته، وكونِ الصبرِ من مباديه اللازمةِ له ولذلك قُدم عليه في الذكر وفي ترتيب الأمرِ بالتقوى على الإخبار بالنصر إيذانٌ بأن نصرَهم المذكورَ كان بسبب تقواهم أي إذا كان الأمرُ كذلك فاتقوا الله كما اتقيتم يومئذ { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي راجين أن تشكُروا ما يُنعِم به عليكم بتقواكم من النصرة كما شكرتم فيما قبلُ، أو لعلكم يُنعم الله عليكم بالنصر كما فعل ذلك من قبل، فوُضِع الشكرُ موضِعَ سببِه الذي هو الإنعامُ.

{ إِذْ تَقُولُ } تلوينٌ للخطاب بتخصيصه برسول الله صلى الله عليه وسلم لتشريفه والإيذانِ بأن وقوعَ النصرِ كان ببشارته عليه السلام { لَهُمْ } وإذ ظرفٌ لنصَرَكم قدِّم عليه الأمرُ بالتقوى لإظهار كمالِ العنايةِ به، والمرادُ به الوقتُ الممتدُ الذي وقع فيه ما ذكر بعده وما طُويَ ذكرُه تعويلاً على شهادة الحالِ مما يتعلق به وجودُ النصرِ، وصيغةُ المضارعِ لحكاية الحالِ الماضيةِ لاستحضار صورتِها أي نصركم وقت قولك: { لِلْمُؤْمِنِينَ } حين أظهروا العجزَ عن المقاتلة. قال الشعبـي: بلغ المؤمنين أن كُرْزَ بنَ جابرٍ الحنفي يريد أن يُمِدَّ المشركين فشق ذلك على المؤمنين فنزل حينئذ ثم حكي هٰهنا { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ ربكم بثلاثة آلافٍ } الكفايةُ سدُّ الخَلّةِ والقيامُ بالأمر، والإمدادُ في الأصل إعطاءُ الشيءِ حالاً بعد حال. قال المفضّل: ما كان منه بطريق التقويةِ والإعانةِ يقال فيه: أمَدَّه يُمِدُّه إمداداً وما كان بطريق الزيادة يقال فيه: مَدَّه يمُدّه مداً ومنه { وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } [لقمان، الآية 27] وقيل: المَدّ في الشر كما في قوله تعالى: { وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَـٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ } [البقرة، الآية 15] وقولِه: { وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً } [مريم، الآية 79] والإمدادُ في الخير كما في قوله تعالى: { وَأَمْدَدْنَـٰكُم بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ } [الإسراء، الآية 6] والتعرُّضُ لعنوان الربوبـية هٰهنا وفيما سيأتي مع الإضافة إلى ضمير المخاطبـين لإظهار العنايةِ بهم والإشعارِ بعلةِ الإمداد، والمعنى إنكارُ عدمِ كفايةِ الإمدادِ بذلك المقدار ونفيُه. وكلمة { لَنْ } للإشعار بأنهم كانوا حينئذ كالآيسين من النصر لضعفهم وقلّتِهم وقوةِ العدوّ وكثرتهم { مِنَ ٱلْمَلَٰـئِكَةِ } بـيانٌ أو صفة لآلافٍ أو لما أُضيف إليه أي كائنين من الملائكة { مُنزَلِينَ } صفةٌ لثلاثةِ آلافٍ ثم خمسةِ آلافٍ. وقرىء مبنياً للفاعل من الصيغتين أي مُنزِلين النصرَ.