التفاسير

< >
عرض

بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ
١٢٥
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ بَلَىٰ } إيجابٌ لما بعد { لَنْ } وتحقيقٌ له أي بلى يكفيكم ذلك ثم وعدَهم الزيادةَ بشرط الصبرِ والتقوى حثاً لهم عليهما وتقويةً لقلوبهم فقال: { إِن تَصْبِرُواْ } على لقاء العدو ومناهضتِهم { وَتَتَّقُواْ } معصيةَ الله ومخالفةَ نبـيِّه عليه الصلاة والسلام { وَيَأْتُوكُمْ } أي المشركون { مّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا } أي من ساعتهم هذه، وهو في الأصل مصدرُ فارَت القِدرُ أي اشتد غَلَيانُها ثم استُعير للسرعة ثم أُطلق على كل حالةٍ لا ريث فيها أصلاً، ووصفُه بهذا لتأكيد السرعةِ بزيادة تعيـينِه وتقريبِه. ونظمُ إتيانِهم بسرعة في سلك شرطَي الإمداد المستتبِعَيْن له وجوداً وعدماً ــ أعني الصبرَ والتقوى مع تحقق الإمدادِ لا محالةَ سواءٌ أسرعوا أو أبطأوا ــ لتحقيق أصلِه أو لبـيانِ تحقّقِه على أي حال فُرِضَ، على أبلغ وجهٍ وآكَدِه بتعليقه بأبعدِ التقاديرِ ليُعلم تحقُّقُه على سائرها بالطريق الأوْلى، فإن هجومَ الأعداءِ وإتيانَهم بسرعة من مظانّ عدمِ لُحوق المددِ عادةً، فعُلِّق به تحققُ الإمدادِ إيذاناً بأنه حيث تحقق مع ما ينافيه عادةً فلأَنْ يتحقَّقَ بدونه أولى وأحرى كما إذا أردتَ وصفَ درعٍ بغاية الحَصانة تقول: إن لبستَها وبارزتَ بها الأعداءَ فضربوك بأيدٍ شدادٍ وسيوفٍ حِدادٍ لم تتأثرْ منها قطعاً { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءالافٍ مّنَ ٱلْمَلَـئِكَةِ مُسَوّمِينَ } من التسويم الذي هو إظهارُ سيما الشيءِ أي مُعْلِمين أنفسَهم أو خيلَهم، فقد رُوي أنهم كانوا بعمائمَ بـيضٍ إلا جبريلَ عليه السلام فإنه كان بعمامة صفراءَ على مثال الزبـير بنِ العوام، وروي أنهم كانوا على خيل بُلْقٍ. قال عروةُ بنُ الزبـير: كانت الملائكةُ على خيل بُلْق عليهم عمائمُ بـيضٌ قد أرسلوها بـين أكتافِهم. وقال هشامُ بنُ عروة: عمائمُ صُفْرٌ. وقال قتادة والضحاك: كانوا قد أَعْلموا بالعِهْن في نواصي الخيلِ وأذنابِها، روي أن النبـيَّ صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "تسوَّموا فإن الملائكةَ قد تسوَّمت" وقرىء مسوَّمين على البناء للمفعول ومعناه مُعْلِمين من جهته سبحانه، وقيل: مرسَلين من التسويم بمعنى الإسامة.